مشهد جميل لغرفة بها أربعة أسرة، ومفروشة بالسجاد الأحمر والجلسة العربية، الأسرة بها مراتب نظيفة مغطية بأغطية مزهرة، وسجين يلقي بجسده على ذلك السرير بابتسامة عرمرمية.
هذا هو المشهد التمثيلي الذي نقله لنا تلفزيون العائلة العربية (البحرين) عن وضع السجون وبالخصوص سجن جو في البحرين، ليعكس لنا ذلك المشهد مدى التطور الكبير الذي شهدته السجون في البحرين. بالطبع وزارة الداخلية لم تسمح لأي من كان بزيارة هذه السجون سوى تلفزيون البحرين لنقل الصورة على حقيقتها دون أية مكملات أو مجاملات، وذلك لثقة الوزارة في مصداقية عدسة تلفزيون العائلة العربية التي لن تسعى جاهدة للنظر لما تحت تلك السجادة من ركام سنوات طويلة.
الحديث عن سجن جو طويل ويحتاج إلى مساحات شاسعة لنقل صورة الوضع الحقيقي للمساجين هناك بواقعية، وخصوصا بعد أن رفضت وزارة الداخلية طلب الصحافة المحلية لسنوات طويلة أن يفتح لها الباب لزيارة السجن المركزي ومركز التأهيل والإصلاح بعد تلك الزيارة الشهيرة التي كانت في بدايات عهد الإصلاح السياسي، والتي كانت ضمن خطة مبرمجة لم يكشف فيها عن كل شيء.
الغريب أن تلفزيون البحرين رغم رسميته الشديدة لم يستطع أمام ذلك الكم الكبير من الشكاوى إلا وأن ينصاع لنقل القليل منها حتى لا تنفضح الصورة بشكلها الكامل، فنقلت الكاتبة سوسن الشاعر في برنامجها الكلمة الأخيرة وخلال لقائها بأحد أبرز الشخصيات التي عاصرت مراحل كبيرة من تطور السجون في البحرين، مسألة الاستعراض غير الواقعي لما يحدث في السجون ومن بينها تكذيب المساجين لتوزيع إدارة السجون الطعام عليهم من خلال صحن كبير مقسم إلى أقسام يوضع فيه الأكل بشكل لا يختلط فيها الطعام ببعضه بعضا، للتشديد على أن إدارة السجون ما زالت تتعامل بذلك الصحن والكوب المعدنيين.
الكثير من القضايا التي تم تناقلها في الآونة الأخيرة تكشف عن معاناة حقيقية في السجون، أشهر قضية معتقلي فساد ألبا التي رفعوها على وزارة الداخلية الآن نتيجة إصابتهم بمرض معدٍ لوضعهم أثناء التوقيف مع مصابين بذلك المرض، وهو الأمر الذي جعل من النيابة العامة تتراجع عن استمرارها في توقيف المعتقلين والإفراج عنهم بعد أن نقل أحدهم للمستشفى لتلقي العلاج، هذه القضية تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة قضية السجون في البحرين.
ما نريد أن نصل إليه إلى أن مشهد السجون مختلف جدا فلا يوجد منا من يعتقد بأن السجن سيكون نعيما حتى لو كان قصرا، فالسجن سيبقى سجنا مقيدا لحرية الإنسان، ولكن تبقى لهذا الإنسان أيضا درجة من الحقوق والكرامة التي يجب أن لا يتم التعدي عليها، وهي المسألة التي تحتاج إلى تشديد ورقابة، وحتى يكون أيضا السجن إصلاحا وتأهيلا وليس إفسادا وتخريبا.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ