لو خيروني بأن ترجع بي عقارب الساعة إلى أيام (المُسماة جدلا) طفولة الابتدائية لرفضتها رفضا قاطعا! ولو خيروني بأن أختار أجمل فترات حياتي الدراسية لاخترت الجامعية وما بعدها... أعلم أنها بعكس كل الناس لكنني اعذر نفسي في هذا القرار الذي أراه صائبا لا محالة.
ما أراه هذه الأيام من حياة لأولادنا في مدارسهم هي بالنسبة لأيامنا حلم ونعيم وجنة، واشتياق أولادي إلى العودة إلى صفوفهم وملاقات معلميهم وأصدقائهم كان بمثابة خيال بالنسبة لي على الأقل لا استطيع أن استوعبه.
نكبر ويكبر معنا الإدراك، بأن أيام الدراسة الأولى التي درستها تحديدا كانت عبارة عن مخاض كبير ومرحلة انتقالية خطيرة لتوقيتها الدقيق، كان ابسطها أن انحرف كما انحرف زملاء دراسة كثيرون، بل هي عبارة عن سياسة في التعليم لا علاقة لها بأي أنواع التربية الحديثة من إرهاب وخوف وذعر مُحيط بنا كطلبة لا نتجاوز السابعة إلى العاشرة في أحسن حالاتنا، كنا مُعرضين بأن نُصاب بالتوحد وجملة من الأمراض النفسية والعصبية من حجم التوتر الذي نعيشه!
ندخل المدرسة في الصباح الباكر على فطور هو عبارة عن وجبة ضرب مُبرح أو هو تعذيب بالأحرى في الطابور الصباحي جرمهم أنهم هربوا من المدرسة أثناء دوام الأمس، وندخل الفصل لنرى العصي والخيازرين أشكال وألوان، الملفوفة بـ (تيب) الكهرباء تتمخطر بيد المعلم والتي لازلت أتذكر ألوانها وأطوالها وحتى موقعها في غرفة المشرف الاجتماعي، وكلما رأيتها في المحلات أثناء تسوقي في رامز مثلا لأُصاب بالذعر وتعيد لي شريط ذكريات مؤلم ومُزعج، ويبدأ الفصل الثاني من الإرهاب مع عودتنا إلى البيت لنسمع التهديد بذاك المشرف الاجتماعي «الأسد»!
كنت أظن بأن وظيفة المشرف الاجتماعي في المدرسة هي نفسها وظيفة السجان والجلاد والمُعذب!!
هذا طبعا لا يشمل النظرة الايجابية للمدرسة، من وجود مُعلمين تتمنى لو أنهم كانوا آباء لك ولنكن صريحين بأنهم إضاءات خفيفة طغت عليها السلبيات والعنتريات وشغل بلطجة (بعض) المعلمين.
وأحمد ربي صباحا مساء على نجاتي من عاهات كثيرة كانت قاب قوسين أو أكثر مني ومن زملاء لي نستذكرها كلما سنحت لنا الفرصة في تذكر أيام الابتدائية!
العدد 2171 - الجمعة 15 أغسطس 2008م الموافق 12 شعبان 1429هـ