كان المواطن «المضطر» الذي ضبطه رجل المرور وهو يركن سيارته بطريقة مخالفة للقانون على أحد الأرصفة، صادقا حين شرح موقفه للشرطي مستعرضا قائمة طويلة من المعاناة... فهو لم يجد موقفا مناسبا ولو بـ «العداد» يستطيع إيقاف سيارته فيه ثم يتوجه لإنجاز عمله... ونظرا إلى حالته الصحية، فهو لا يستطيع إيقاف سيارته بعيدا والقدوم إلى الوزارة الفلانية مشيا على الأقدام... ومحاولته مع أحد حراس مواقف خاصة تابعة لإحدى الشركات باءت بالفشل... بل ذات مرة، حين أوقف سيارته في مواقف سيارات تابعة لأحد الفنادق، تلقى توبيخا شديد اللهجة من مسئول الأمن الأجنبي الذي منعه من الخروج بسيارته إلا بعد شق الأنفس... ثم، توقيع مخالفة يعني أنه سيدفع خمسة دنانير... فأولاده أولى بها إن غفر له شرطي المرور خطيئته!
وشرطي المرور كان صادقا أيضا حينما قدر صعوبة الوضع مصدقا كلام المواطن، لكن القانون قانون، ويجب أن يسري على الجميع، وأن وقوفه بشكل خاطئ قد يؤدي إلى عواقب لا يحمد عقباها، وخصوصا أنه كاد يغلق مدخلا ضيقا في اتجاه طريق يؤدي الى مرآب أرضي للسيارات...
وبعد «التي واللتيا» كما يحلو لبعض المواطنين القول، حذر شرطي المرور ذلك المواطن من تكرار هذه المخالفة، وأنه سامحه لأنه يشعر بمعاناة الناس في طرقات وأزقة المنطقة الدبلوماسية.
ولكن، هل سيتعامل كل رجال المرور المكلفين بتطبيق القانون مع كل السواق المخالفين بهذه الطريقة؟ وما ذنب الآخرين الذين سيتضررون من الوقوف الخاطئ على الأرصفة وأمام البوابات؟ وإلى متى ستستمر هذه الوضعية في هذه المنطقة الحيوية؟
لن يكون الحل يسيرا بمجرد قبول بعض الأفكار من قبيل إعادة تخطيط المنطقة، وتخصيص المزيد من الأماكن مواقف للسيارات في ظل عدم وجودها أصلا، أو بتشجيع الناس على استخدام المواصلات العامة وهي - أي المواصلات العامة - لم تتمكن من إقناع المواطنين من استخدامها، سواء كانت جيدة أم سيئة، بل أنه بافتراض وجود شبكة مواصلات جيدة، فهل سيستغني الكثيرون عن سياراتهم ليتوجهوا إلى المنطقة الدبلوماسية في الباصات؟
صورة الوضع في المنطقة الدبلوماسية بالنسبة إلى المئات من المواطنين والمقيمين الذين يستخدمونها يوميا ليست خافية على الجميع، ففيها يتكدس عدد من الأجهزة الحكومية الخدماتية المهمة، وهي منطقة لا تتمتع بسعة الطرقات فيها، ولهذا، فإن أكثر درجات المعاناة يواجهها الموظفون الذين يعملون في الوزارات أو الشركات أو المكاتب الواقعة هناك، وليس لهم نصيب من المواقف المخصصة كما هو حال القليل من كبار المسئولين والموظفين الذين يذهبون إلى أعمالهم ويغادرونها بطمأنينة وراحة بال.
في المنطقة الدبلوماسية تتنوع المشاهد والمواقف المختلفة الحدة... لكن أكثر تلك المشاهد شهرة، هي صورة المخالفات المرورية وقد أخذت مكانها «الطبيعي» على زجاج نافذة السائق الذي سيعود منهكا من دون ريب بعد إنجاز معاملة، وهو يلهث من شدة حرارة الشمس، لتفاجئه «ورقة» المخالفة وهي تستقبله بلا ابتسامة قطعا.
ويصبح الحال في أشد أوضاعه سوءا حينما يقع حادث مروري في أحد طرقات المنطقة... حتى وإن كان بسيطا... ليضج الناس من الازدحام والطوابير المختنقة.
وربما تكون الحلول المنطقية موجودة لدى المترددين على المنطقة الدبلوماسية بكثرة، ومنها أن يتم افتتاح المزيد من المكاتب الفرعية للوزارات الخدمية في مناطق مختلفة من البلاد، تيسيرا على المواطنين وتخفيفا من الضغط على هذه المنطقة، ومنها أيضا اختيار موقع لإنشاء موقف متعدد الطوابق، لكن أحد الموظفين يقدم حلا سريعا ومفاجئا ومريحا بالنسبة إليه من ناحية، لكنه مؤلم من ناحية أخرى، فقد علق بالقول: «أحسن شي نفنش»، هذا هو الجانب المريح، أما الجانب المؤلم: «ونصير عواطلية ندور شغل وتزيد علينا الديون»!
وحتى وصول الجهات المعنية إلى حلول عملية لمشكلة الضغط في المنطقة الدبلوماسية، فإن الصور المرفقة ستبقى تعبر أصدق تعبير عن قلة الحيلة.
العدد 2170 - الخميس 14 أغسطس 2008م الموافق 11 شعبان 1429هـ