العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ

الطمعُ المحمودُ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أكثر من شهر تقريبا كشف وزير النقل الألماني فولغانغ تيفنسي عن خطط للتحول الفوري من النفط والطاقة النووية إلى الطاقة البديلة المستمدة من الرياح عبر نصب ثلاثين تجمعا للمراوح الضخمة (125 مترا) على بحري الشمال والبلطيق.

التقدير الأولي لكلفة المشروع حتى نهاية العقد الثالث من الألفية هو 30 مليار يورو، مع قدرة إنتاج تصل إلى 25 ألف ميغاوات؛ مما يعني أن هذه الكلفة تقل عن نفقات طاقتي النفط والغاز إذا ما تمّ احتساب السعر المرتفع للنفط هذه الأيام.

وبما أن الترقيم قد جاء بهذه الطريقة، فإن بناء 2200 مروحة سيكفي لإنتاج 11 ألف ميغاوات من الكهرباء قادرة على سد حاجة 11 مليون منزل في ألمانيا إذا ما أقرّت حكومة أنجيلا ميركل تخصيص مساحة 880 كيلومترا مربعا من بحر الشمال لنصب 656 مروحة في المرحلة الأولى، وتخصيص 130 كيلومترا مربعا من بحر البلطيق لبناء 30 مروحة ضخمة.

لا أعتقد أن أحدا لا يعلم أن ألمانيا قد تحوّلت بعد هزيمة جيشها في الحرب العالمية الثانية إلى رماد. ومن يُرِد أن يُطلّ من كُوّة التاريخ ليرى شيئا من ذلك فعليه أن يمر على كنيسة كايزر ويلهيلم جيدايشتنيرشه الألمانية التي وُضِعت كما هي وبدمارها للتاريخ.

اليوم مضى على هزيمة ألمانيا وعزائها في الرايخ الثالث زهاء 63 عاما. وعلى وحدتها 18 عاما. ولكن تلك السنين القليلة في بحر التاريخ استطاعت أن تعيد هذا البلد إلى عشرينياته الذهبية أيام المستشارية الشتريزيمانية. بل إن ألمانيا اليوم تُشكّل الخاصرة الاقتصادية القوية لعموم أوروبا.

هذا الحال لا يجعلك سارّا إذا أردت أن تعاين دول العالم العربي. فالفاصلة الزمنية بين ذهاب ريح النازية وهتلرها وبين استقلال العالم العربي لا تزيد عن 25 عاما بالكاد، ولكنك لا تجد ما يُبهج كثيرا في هذه البلاد.

طبعا، نحن لسنا في أسراب التخريف والشيطنة القومية، بقدر ما نحن في موقع البصر والبصيرة الذي لا يترك مجالا مُضيّعا في التقويم والنظر. فالدول العربية التي خرجت من بطون الاستعمار لم تعد أكثر من وعاء جغرافي تتهشّم فيه برامج التنمية كأنها مفرقعات تحت الأحذية.

في دول الخليج الثريّة لا يعدو الأمر أكثر من مسحة ريعية. فالتقرير الصادر عن معهد ماكنزي الدولي يقول «إن دخل دول مجلس التعاون الخليجي من تصدير النفط بسعر 70 دولارا للبرميل سيحقق 6.2 ترليونات دولار خلال الأعوام الأربعة عشرة المقبلة، أي ثلاثة أمثال ما حصلت عليه في 14 عاما، وإنه وبسعر مئة دولار للبرميل ستصل الإيرادات إلى 9 ترليونات دولار على حين ستبلغ 4.7 ترليونات إذا انخفضت الأسعار إلى 50 دولارا للبرميل» بحسب النص المقتبس.

وبمنطق هذه الأموال الفاحشة فمن غير المناسب أن تفيق هذه الدول متأخرة على صدمة العولمة ومتطلبات تحرير السوق، أو أن تبالغ في جعل ظروف مؤسساتها ومناشطها متخلفة ومعوّقة. فعلى سبيل المثال مازال الكثير من بلداننا ترى أن هدف العملية التعليمية في أقصاه هو القضاء على الأميّة، من دون لحاظ ونظر لتسييل المعرفة وتفجير الطاقات.

وبمنطق هذه الأموال الفاحشة أيضا يجب ألا يقضي المواطن ثلثي عمره وهو ينتظر منزلا متواضعا يهجع فيه، أو أن يجرد راتبه الشهري فيراه مقضوما من كل حدب وصوب، أو يُقبل على سنّه التقاعدي ووجهه قد امتلأ بأمارات العجز والفاقة وانتظار أمر الله.

كما أن أرض هذه البلاد التي تتمايل في جوفها أقدار العالم يجب أن تُصار إلى أفضل من هكذا حال، في الصحة والعمل والاستثمار وضبط الاجتماع. ورجائي ألا يُفهم هذا الكلام على أنه مزايدات أو شعارات يُطلقها طامع في أكثر مما قال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً