العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ

عصر السرعة وغياب الفرح

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

السرعة وحركة الزمن بعجلة بهلوانية لاقتناص الوقت وللحصول على المزيد من المال. وباتت السرعة ميزان التقدم ورمزه لهذا العصر. وبات الناس خارج المنزل معظم الوقت. والأسرع هو ليس بالضرورة الأكثر كفاءة ولكن يبدو أن الوقت أصبح من ذهب وضياع الوقت ضياعا للمال على رغم انعدام الدقة بسبب السرعة وأصبح الإنجاز هدفا بغض النظر عن عيوبه.

وطريق العمل بات شاقا ومرهقا وكثيرة هي الساعات التي يقضونها هذه الأيام في العمل بما تفوق طاقة الإنسان وآدميته وبدأ الغرب والشرق بانتقاد هذه الظاهرة والشعور بقسوتها، وأن مساوئها أضحت كثيرة.

وقد أصاب الإرهاق والأمراض النفسية مجتمعاتهم وفتتها من الداخل وأصاب العائلة التي هي أساس المجتمع بسبب كثرة الغياب عن المنزل وأحيانا الوالدين معا في السفر للوازم الشغل! وإهمال البيت وبدأت معاناة الأطفال من الوحدة والإهمال وإدمان المراهقين وانتشار الخيانات الزوجية!

وأصبح الإنسان غريبا وحيدا مشتتا وغير راضٍ عن حياته وأهمل الآباء وكبار السن وأدخلوا المصحات لعدم وجود الوقت لرعايتهم أو عاشوا في عزلة تامة في بيوتهم لا يتحدثون إلى أحد أمام جهاز عقيم اسمه التلفزيون حتى يجدونهم جثة هامدة بعد أن تظهر رائحة الموت خلف الأبواب.

وحلّ الخوف من المستقبل والجشع المادي واجتث الحب والطمأنينة وحب الاقتناء من إنتاج الحضارة الصماء. فأضاع الإنسان طريقه في سبيل الحصول على الرقي المادي وصار وحشا آدميا مستهلكا لحضارة لا يعرف ما هو المطلوب منه عمله وكيف له أن يكون!

وتطلب اليوم المجتمعات الغربية من أفرادها التخفيف من السرعة بعد أن حققت العائد المادي وبما أنها تساعد العاطلين عن العمل فهي أيضا تقلل من ساعات العمل وتزيد من العطل والراحة وبدأ المثقفون الإلحاح على ضرورة البطء في الحركة وأخذ الهوينا في إنجاز المهمات إذ إنهم وجدوا أن السرعة مضرة بحياة البشر على المدى الطويل وهي وراء كل أمراض العصر النفسية والعصبية والعضوية، وأن الإنسان بحاجة ماسة إلى المزيد من التأمل والتفكر في الكون وخلقه والرجوع إلى ذاته والجلوس معها والتعرف إليها، إذ إن الكثيرين بانشغالهم الدائم لم يجدوا الوقت للتعرف إلى أنفسهم ومتطلباتهم الحقيقية في الحياة ومن هم حقيقة بالنسبة لهذا الكون الجبار وخالقه العظيم! وهم في حاجة إلى اللهو واللعب وممارسة الهوايات من الرياضة والقراءة والتطريز والحياكة والفنون على أشكالها والزراعة... إلخ للحصول على التوازن النفسي والشعور بالفرح وطلبوا منهم الابتعاد قدر الإمكان عن التلفزيون والإنترنت وهي الأدوات الشرسة السريعة والضارة جدا لما تحويه من تفاهات ووجدوا أن المال يتعارض كثرته مع التوازن البشري!

وماذا بعد؟ إن مجتمعاتنا كانت إلى عهد قريب شديدة البطء ومازال بعضها سعيدا بالإنجازات المتواضعة ومع الإنسان الرضي والعوائل تحب بعضها بعضا وتحرص على الكبار مثل الصغار وبعد الغزو الأجنبي بتنا نسخة مكررة تافهة من الغرب! واعتمدنا الحجر، ونسينا البشر، ونركض ونتسارع للحصول على المادة، ونسينا جيراننا وحيّنا وأفراحنا البسيطة! وهم يعودون إلى الماضي الذي تركناه وأخذنا نحن دروبهم الموحشة والمليئة بالوحدة والغربة.

ودائما نحن نبدأ من حيث ينتهون، علنا نتعض، ونعيد التفكير في الثمن للحصول على ما نريد وأن نعطي أنفسنا قدرا من المحبة والفرح، وندرك أن عائلاتنا ومجتمعاتنا لها حق علينا أيضا.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً