العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ

طبول الحرب في الذكرى الثانية للعدوان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ليس مصادفة أن ينفذ الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية في هضبة الجولان المحتلة في الذكرى الثانية لوقف «العمليات الحربية» مع لبنان. توقيت المناورات ومكانها وضخامتها جاء ليوجه مجموعة رسائل إلى الجانب اللبناني (دولة ومقاومة) لم يتردد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في كشف مضمونها السياسي. فالوزير أشار إلى جاهزية «إسرائيل» واستعدادها العسكري للثأر والانتقام وتعديل التوازن السلبي الذي ظهر في المواجهة مع الجانب الآخر. والوزير جدد انتقاده للقرار الدولي 1701 الذي برأيه جمد العمليات الحربية ولكنه فشل في وقف تعزيز قدرات حزب الله الصاروخية.

كلام باراك المعطوف على انتقادات سابقة هددت الدولة اللبنانية وأنذرتها بعواقب وخيمة اعتمد على نقطتين: الأولى البيان الوزاري الذي تضمن فقرة عن المقاومة. والثانية المعلومات الاستخبارية التي تتحدث عن تعاظم قوة حزب الله وتطور قدراته الصاروخية ودفاعاته الجوية.

توقيت المناورات في الذكرى الثانية لنهاية العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 جاء ليؤكد على أن حكومة تل أبيب أصبحت في موقع يسمح لها باستئناف الهجوم واستكمال تقويض الدولة بذريعة أن الحكومة اللبنانية تقف على مسافة واحدة إلى جانب المقاومة. وحشر الدولة بالمقاومة تتذرع به تل أبيب للتأكيد على أنها لن تتردد في توجيه ضربات جوية للبنى التحتية والمؤسسات الحيوية والرسمية للضغط عليها بقصد كسر تلك العلاقة مع حزب الله.

التوقيت أيضا لا يمكن عزله عن مكان المناورات التي جرت في مرتفعات الجولان التي تطل مباشرة على دمشق من جهة والبقاع الغربي والمناطق التي تقع خلف شمال الليطاني من جهة أخرى. فالهضبة المحتلة تعتبر الآن منطقة حيوية مفتوحة للعمليات بعد أن انتشرت القوات الدولية (يونيفل) على طول الحدود الجنوبية من بلدة الناقورة إلى قرية الغجر. فالانتشار الدولي في مناطق الجنوب شكل ذاك الحزام الذي يفصل القوتين ويمنع الاحتكاك والتصادم في ظل شبكة أمان تتحرك تحت سقف القرار 1701.

مكان المناورات لا يمكن عزلة أيضا عن ضخامة الاستعراض العسكري والتدريب بالذخيرة الحية في وقت أخذت الصحف الإسرائيلية تتحدث عن تعاظم القوة الصاروخية لحزب الله ونمو قدراته في مجال الدفاع الجوي وحصوله على إمكانات تساعده على التصدي للطلعات الجوية التي تقوم بها الطائرات الحربية وتعريضها للإصابات والسقوط.

هذا الجانب الجديد (قواعد صواريخ جوية) وصفه الوزير الإسرائيلي بالخطير واعتبره خطوة نحو الإخلال في التوازن العسكري. والإخلال في التوازن برأي باراك يبدأ من نقطة كسر التفوق الجوي الذي ظهر خلال عدوان 2006. ففي تلك المواجهة استطاعت حكومة إيهود أولمرت المحافظة على التوازن السلبي بسبب اعتمادها على قوة جوية قادرة على التحليق في أعماق الجبهة اللبنانية من دون رادع صاروخي يعطل عليها مهماتها التقويضية. وبسبب التفوق الجوي نجحت حكومة أولمرت في ضمان قواتها البرية والتخفيف من الخسائر وتغطية القصف المدفعي الذي دمر شريط القرى المتاخمة والمنتشرة على خط الحدود الجنوبية.

المناورات إذا جاءت للتذكير والتنبيه في مناسبة الذكرى الثانية لصدور القرار 1701 وتوقف العمليات الحربية من دون التوصل إلى توافق دولي على وقف إطلاق النار. وبما أن وقف النار لم يتقرر دوليا فمعنى ذلك أن تل أبيب قادرة على استئناف العدوان في اللحظة التي تجدها مناسبة.

معلومات مشوشة

السؤال هل حان الوقت للثأر والانتقام؟ المعلومات مشوشة ومتضاربة في هذا الاتجاه أو ذاك. فتل أبيب تقول إنها حصلت على أسلحة أميركية حديثة ومنظومات دفاعية وشبكة صواريخ مضادة للصواريخ ولكنها تحتاج إلى فترة زمنية للتدرب عليها واحتواء فعاليتها وإدخالها في القطاعات العسكرية. وهذا يعني أن تل أبيب ليست مستعدة الآن لخوض تجربة قبل مرور فترة زمنية تسمح للقوات بالتأهيل وإعادة الهيكلة.

تقابل هذا الجانب من الصورة إشارات مضادة تؤكد على أن «إسرائيل» استوعبت الأسلحة والذخائر النوعية الحديثة وأصبحت مستعدة للمغامرة العسكرية ولكن واشنطن تعترض طريقها وتمنعها من استئناف «إطلاق النار». وهذا يعني أن تل أبيب تنتظر من إدارة البيت الأبيض تلك الإشارة السياسية للتحرك العسكري حتى لا تتكرر تلك القراءات الخاطئة في الحسابات.

الجواب الضائع بين الاحتمالين يفسر خلفيات تلك المناورات العسكرية التي جرت في هضبة الجولان المحتلة وما رافقها من تصريحات سياسية انتقدت عدم فعالية القرار 1701 وهاجمت بيان الحكومة اللبنانية وحذرت من تعاظم قدرات حزب الله الصاروخية وخصوصا في مجال الدفاع الجوي. وتركيز باراك انتقاداته وتحذيراته على الجوانب الثلاثة (القرار الدولي، بيان الحكومة، وحزب الله) يشير إلى وجود خطة جاهزة للتنفيذ ضد الأهداف الثلاثة في حال حصلت على ضوء أميركي أخضر. فالأهداف واضحة وهي تقتصر على الجبهة اللبنانية ولا تتجاوزها في حدودها السياسية ومساحتها الجغرافية. وتحديد إطار العدوان في الدائرة اللبنانية يؤشر على أن المعركة المقبلة إذا وقعت لن تكون إقليمية وستقتصر على مواقع الدولة والمقاومة التي تنتشر وراء نهر الليطاني في اعتبار أن منطقة انتشار القوات الدولية محايدة ومراقبة ومضمونة تحت سقف 1701.

احتمال استئناف إطلاق النار (استكمال عدوان 2006) مسألة غير مستبعدة في ظل وجود اتصالات ثنائية أميركية - إيرانية وسورية - إسرائيلية. فالجانب الأول يمنع تل أبيب من التحرك منفردة من دون إشارة خضراء من واشنطن. والجانب الثاني غير وارد الآن باعتبار أن جولات المباحثات بين دمشق وتل أبيب تحتاج إلى مزيد من الدورات والمعالجات لتنسيق الملفات والتفاهمات. والخلاصة تعني أن هناك موانع تعطل إمكانات المواجهة مع إيران وسورية بينما الجبهة اللبنانية لاتزال مفتوحة من جانب هضبة الجولان المحتلة. واحتمال تقديم أميركا لبنان جائزة ترضية لإسكات تل أبيب وضبطها مقابل عدم السماح لها بقصف المفاعل النووي الإيراني موضوع وارد في الحسابات الدولية.

بعيدا عن كل هذه القراءات المشوشة لابد أن يأخذ الجانب اللبناني (دولة ومقاومة) المناورات الإسرائيلية التي جرت في الجولان بمناسبة مرور سنتين على تجميد العمليات العسكرية على محمل الجد. فالمناورات ترافقت مع تصريحات واضحة في إشاراتها السياسية التي قللت من فعالية القرار 1701 وضخمت من قدرات حزب الله وتعاظم قوته الصاروخية وهددت الدولة مباشرة بذريعة أن بيان حكومتها أشار إلى المقاومة بوصفها تشكل قوة خاصة في استراتيجية الدفاع. وكل هذا يعني أن «إسرائيل» وجهت من خلال المناورات رسالة تقول إنها لن تسمح بتعديل التوازن السلبي الذي أسفر عنه عدوان صيف 2006 وترفض تطويره من الجانب اللبناني إلى مستوى التوازن الإيجابي الذي وصفه باراك «الإخلال في التوازن العسكري على الضفة الأخرى».

طبول الحرب ربما تكون مناورة عسكرية للضغط نفسيا على الجانب اللبناني وتخويفه من مخاطر محتملة في حال واصل تطوير قدراته الدفاعية الجوية. وربما أيضا قد تكون الطبول موجهة إلى الداخل لرص الصفوف وتوحيد القوى في لحظة تستعد حكومة أولمرت للمغادرة في منتصف الشهر المقبل. ولكنها أيضا تحتمل إشارة إلى وجود توجه إسرائيلي للانتقام وتفريغ الغضب بعد أن أقفلت واشنطن الباب أمام تل أبيب ومنعتها من تسديد ضربة جوية لإيران.

طبول الحرب مسألة مفتوحة ويمكن قراءة رموزها في سياقات واتجاهات ولغات مختلفة. ولكنها في النهاية لا تحصل من طرف واحد. تل أبيب وجهت رسالة ميدانية تشير فيها إلى أنها أصبحت مستعدة لكسر «التوازن السلبي» الذي استقرت عليه الجبهة في 2006، فهل الطرف اللبناني جاهز لاستئناف العدوان واستكمال سياسة التقويض؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً