العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ

درويش والأفق الاستثنائي(منوعات)

نبحث عن أفق استثنائي في النص ... أفق يعيد ترتيب العلاقة بينه وبين المتلقي. بينه وبين العالم بكل أشيائه. مثل ذلك الأفق لم يكن في أولويات كثير ممن ذهبوا إلى الشعر أو ذهب الشعر إليهم.

مثل ذلك الأفق، يكاد يكون لا نهائيَّا في مشروع محمود درويش الشعري، وخصوصا بعد تجربة الاجتياح الصهيوني لبيروت العام 1982، وامتداد الشتات الفلسطيني إلى جهة إضافية من الأرض، إذ بزغت رائعته «مديح الظل العالي».

مُحدَّدا في البحث عن مفردة في النص تعيد تماسكَ وتوغلَ ذلك الأفق، وتعمل على اختزال وإعادة تكوين الأفق المصادر خارج النص بأفق يوازيه ويحاكيه وينتصر على معوقاته وشروطه، وحتى قدره داخل النص. البحث عن مضامينَ تكسر وتتجاوز الصورة النمطية التي طاردت درويش باعتباره متحدِّثا رسميَّا باسم العذاب الفلسطيني دون سواه. وباعتباره محرِّضا وكاتبَ بيانات الثورة. تلك الصورة التي التصقت به جهلا وبعثرة وتورطا في سوء فهم لمشروعه؛ دفعه إلى التعبير عنه بسخرية بالغة في أكثر من لقاء صحافي أو تلفزيوني بالقول: «ثمة من يريد أن يلبسك صفة القداسة، ولكنه في الوقت نفسه يرجمك بحسن نية».

نزوعه إلى الكوني، ليس ردَّ فعل على مثل تلك التصنيفات المرتجلة، والتي لا تخلو من لؤم في كثير من الأحيان.

مثل ذلك النزوع، تكَشَّفَ في أعمال مزجت الذاتي بالكوني. أو بمعنى آخر، اكتسب الذاتي في تجربته سحر ومدى وأفق الكوني.

تجربة كانت على تماس مع المنسي والمهمل والمسكوت عنه؛ بحيث أصبح الرئة الحقيقية التي تتنفس منها تجربته.

منذ «هي أغنية ... هي أغنية» ... «ورد أقل» ... «لماذا تركتَ الحصان وحيدا» ... «لا تعتذر عما فعلت» ... «سرير الغريبة» ... «كزهر اللوز أو أبعد» و «أثر الفراشة»، تكشَّفَ مثل ذلك النزوع الذي آتى نصوصا هي في الذروة من الذاتي/ الكوني، أو الكوني/ الذاتي... لا فرق.

ورحيل درويش لا يترك فراغا شخصيا في المشهد الشعري الكوني، بقدر ما يترك فراغا في القدرة على اقتناص ذلك الأفق الاستثنائي الذي أشرنا إليه في مطلع هذه الكتابة.

العدد 2169 - الأربعاء 13 أغسطس 2008م الموافق 10 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً