بَهرت بكين كل من شاهد حفل افتتاح أولمبياد بكين 2008، سواء من حضر للمشاركة أو من شاهدها عبر القنوات الفضائية. كانت الرسالة واضحة... نحن أمة نمتلك تاريخا مجيدا لكننا، أيضا، أمة تنظر نحو المستقبل وإن الأمة التي أقامت سور الصين العظيم فوق اليابسة، قادرة أيضا على شق الطرق السريعة عبر الإنترنت، واستخدام تقنيات متطورة تتناسب والمكانة التي تطمح إلى تبوئها في الاقتصاد العالمي بوصف كونها أكبر الأسواق الناهضة (Emerging Markets).
وإن كانت الصين نجحت على هذا المستوى، فهي لم تستطع حماية حدودها الإلكترونية من مجرمي الإنترنت الذين وجدوا في الأولمبياد فرصة ثمينة لاقتناص فرائسهم. هذا ما أفصحت عنه شركة سيمانتك Symantec التي أشارت إلى أن حجم الرسائل الإلكترونية المتطفلة ارتفع بشكل حاد قبيل انطلاق هذه الألعاب. وقالت شركة أخرى إن هذه الرسائل «الخبيثة» تحاول خداع المرسل إليهم بدعوتهم إلى زيارة مواقع مزورة. وتعلن بعض هذه الرسائل فوز المرسل إليه بيانصيب أولمبي، وتدعوهم إلى الاتصال بالمرسِل للحصول على الجائزة.
وجاء في تقرير آخر أصدرته سيمانتك في سبتمبر/ أيلول 2007 «إن الجرائم التي ترتكب عن طريق الانترنت أصبحت تشكل نشاطا تجاريّا واسع النطاق... وإن مواقع معينة على الشبكة الدولية تنظم مزادات لبيع التفاصيل المصرفية ومعلومات تخص بطاقات الائتمان وتعرض أيضا لبيع برمجيات تمكن من القرصنة على بعض المواقع على الشبكة».
ووفقا لدراسات أخرى، قامت بها الشركة ذاتها، فإن الاعتداءات أصبحت اليوم «أكثر خبثا ولا تقتصر فقط على إلحاق الضرر بالضحايا والحصول على الشهرة لمرتكب الجريمة لكن أيضا لسرقة معلومات خاصة وطرح برامج التجسس».
وأكدت هذه الحالة أيضا شركة أخرى هي شركة مارشال الخبيرة في شئون أمن الإنترنت التي أوضحت «إن الكثير من الرسائل الإلكترونية التي بعث بها القراصنة استخدمت تقنية تعرف باسم بوتنت (botnet)، في نسخة يُطلق عليها اسم رستوك (Rustock)».والبوتنت هو عبارة عن مجموعة من الحواسيب المنزلية تعرضت للقرصنة على يد عصابة من مجرمي الشبكة الإلكترونية.
ما يثير مخاوف الملايين من مستخدمي الإنترنت هو أن إعادة تحويل المستخدمين إلى مواقع زائفة حتى لو كتبوا العناوين الصحيحة في المتصفح، بات أمرا في متناول أيدي أولئك القراصنة، وهذا ما دفع كبريات الشركات المتخصصة في برمجيات الإنترنت مثل ميكروسوفت بتوزيع برنامج الحماية الإضافي لتعزيز قدرات أجهزة الكمبيوتر على تأمين خصوصيات المستخدمين.
ويذهب هؤلاء القراصنة إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال الولوج إلى الحواسيب والسيطرة على نظمها التشغيلية (Operating Systems)، وهو أمر عانت منه شركة مايكروسوفت في العام الماضي، ما اضطرها إلى تركيب مجموعة برمجيات لصد تلك الهجمات عرفت وقتها بـ «ضمادات السلامة» من أجل سد 15 ثغرة تسلل من خلالها أولئك القراصنة.
وكما كان قراصنة البحر يهاجمون السفن المحملة بالجواهر والأحجار الثمينة أو الأموال، كذلك حال قراصنة الإنترنت، فهم يختارون ضحاياهم من أصحاب الدخول العالية الذين باتوا الفريسة المفضلة لهؤلاء القراصنة االذين يمطرون ضحاياهم بوابل من الرسائل الإلكترونية كي يتمكنوا من خلال ردود تلك الضحايا تجميع أكبر كم من المعلومات بشأن البيانات المصرفية والشخصية.
كل ذلك يجعل من الإنترنت قناة إعلامية من نمط مختلف عما عهدناه في وسائط الإعلام الأخرى من صحف ومجلات مكتوبة، أو قنوات فضائية متلفزة، فبقدر ما هي أداة مرنة وطيعة وعلى درجة عالية من الكفاءة، بقدر ما تعاني من بعض الهشاشة في دفاعاتها الأمنية لحماية الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وهو ما يتطلب نظرة متطورة بشأن المسئولية عن الجرائم التي ترتكب بحق مستخدميها على أيدي قراصنة همهم الأساسي الإفلات من القوانين أو التحايل عليها.
لكن، وبدلا من الخضوع لابتزاز هؤلاء القراصنة أو إعادة النظر في الاستفادة منها، علينا تطوير تلك الاستخدامات، وتعزيز دفاعاتها التي تقطع الطريق على أولئك القراصنة، وتبعث الأمن والأمان في نفوسنا كمستخدمين وغير قادرين على الاستغناء عنها، آملين من وراء ذلك أن تبحر سفن أولمبياد بكين 2008 رغما عن حفنة القراصنة التي تحاول تشويه صورتها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2168 - الثلثاء 12 أغسطس 2008م الموافق 09 شعبان 1429هـ