لا تزال بصمة تجارنا القدامى في وطني تشكل حيزا كبيرا على الصعيد السياسي والاجتماعي، ومازال عبقَهم منذ الأزل مرتبطا بكثير من المناسبات التي مرّت على مملكة البحرين إلى يومنا هذا، ولكن هذه الأيام نجد نقطة تراجع في بعض من تجار البحرين، أو كما نراها فترة سكون وهدوء نوعا ما.
إذ ما أن تذهب إلى تاجر لتكفل بعض اليتامى من طلبة العلم أو تطلب مساعدة لهم، حتى تجد التاجر ينسحب من الرد على رقم هاتفك أو ملاقاتك أو حتى تحديد موعد لرؤيتك.
كذلك على صعيد التجارة نفسها، تجد قليلا من التجار يساعد المؤسسات الصغيرة ويدعمها، وإذا ساعدها فإنه لغرض يستفيد منه شخصيا وليس المؤسسة الجديدة والصغيرة في الميدان، وإذا سألت أيا من المؤسسات الصغيرة عن مساعدة التجار لهم، فإنك ستجدهم يقولون: الباب موصد من قبل «الهوامير»، أو المناقصة استفاد منها «هامور» ما مثلا.
أما على صعيد موجة «الغلاء» التي تشهدها البلاد حاليا، فإننا نفاجأ من جشع البعض في تغيير الأسعار ورفعها لدرجة خيالية، حتى يكاد المواطن يقع من طوله وهو في المحل لشراء غرض، لأن المعاش لا يتحمل هذا الارتفاع الكلي للأسعار!
وما هذا إلا عدم مساعدة من بعض التجار للدولة والأفراد، إذ إن هذه العملية سترد بمردود سلبي على الدولة والأفراد، وليس على التجار الذين يعلمون بأن سلعهم وعقاراتهم لن تتوقف، وإنما الدولة والأفراد هما من يتكبد العناء والمشقة، بل وللتخصيص فإنَّ الهم وتحمل أعباء الحياة سيتكبده المواطن أكثر بكثير من الدولة!
ولو ذهبنا يمنة ويسرةَ فإننا سنجد واحدا أو اثنين من أصل عشرة آلاف من التجار يساعد ويحاول المساعدة، وكذلك يرشد الأفراد إلى مصالح قد يستفيدون منها. وفي هذا الصدد نتمنى من التجار أن يحذوا حذو ذلك التاجر وأن يقتدوا به، في كرم حاتم الطائي وحنكة حسن البصري، وتراه من الصرامة بحيث يوجّه الآخرين ولا يجعلهم يفشلون أو يتخاذلون.
فهذا التاجر لم يفكر في مزاحمة الناس على مناقصات صغيرة لا يستفيد منها، مفسحا المجال لأصحاب المؤسسات الصغيرة حتى يستفيدوا من الربح القليل، وكذلك فتح أبواب لطلبة العلم عن طريق الكثير من القنوات، التي دعمها بنفسه أو وجّه إلى دعمها عن طريق الآخرين. وفي الحقيقة نجد أن شخصية التاجر مدعاة لتوثيق سيرته التجارية المثيرة، فهو يكاد يكون رمزا ومثالا يحتذى به للآخرين، ومعلما يرجع إليه من يريد أن يستفيد.
وخصوصا أننا في زمن نحتاج إلى موسوعة تأريخية لتوثيق سيرة تجار البحرين الأوائل - أو من هم في عصرنا الحالي في الخلق الكريم - الذين ساعدوا آل خليفة بإرساء حكمهم في الدولة، وساندوهم في إنعاش الاقتصاد إلى مطلع السبعينيات، وقد كانت لهم الأيادي البيضاء التي تطال الآخرين.
وما هذه الطفرة السيئة على بعض من تجارنا إلا جزئية نتمنى أن تنتهي، لأنه بعطاء التجار ننعش الكثير من الأفراد والمؤسسات، ويقوى الاقتصاد وتزدهر الدولة، وهذا هو النجاح الحقيقي الذي يطمح إليه كل من يساند عملية الإصلاح. فليس النجاح يا تجارنا في الكثير من الأرصدة والأموال، وإنما هو تكافل المجتمع والإسهام في رقيه ورفعته.
وما مساعدة طالب العلم أو المؤسسات الصغيرة والجديدة في الميدان، إلا دليل على وعيكم ونجاحكم، بل وعلى عطائكم الذي عهدناه سابقا، حيث كانت البحرين معروفة بكرمها وكرم تجارها وأهلها.
وفي هذا الصدد نطلب من مراكز الاستشراف والتوثيق أو حتى من الصحف البدء في توثيق سير التجار، الذين يساندون طلبة العلم أو لهم بصماتهم الخيرية، فالتوثيق يحفظ للتجار حقوقهم لأنه ملتصقٌ بالواقع وبأحداث مهمة في الدولة قد نكون أغفلناها أو جاهلين بها.
هذه دعوة مفتوحة لكل تاجر مقتدر من أهل البحرين، أن يكفل 10 من الطلبة الذين يحتاجون فعلا للمساعدة لمواصلة علمهم.
ودعوة كذلك لكل تاجر لديه القدرة على المساندة، بمساندة مؤسسة صغيرة جديدة البدء في التجارة أو في أية فعالية، حتى يُحفظ له في يوم ما ما قدّمه لأبناء بلده.
ولتكن لكل منا القدرة على مساعدة الآخرين والتي هي أسمى ما تعلمناه من أخلاق رسولنا الكريم (ص). ولنتذكر قول الله تعالى في حديثه القدسي: «يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك».
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2168 - الثلثاء 12 أغسطس 2008م الموافق 09 شعبان 1429هـ