تنص القوانين في المجتمع على حماية الحقوق والحريات الأساسية للأشخاص والمحافظة على كيان المجتمع وأمنه واستقراره لغاية تقدمه وتطوره نحو نموذج مثالي يوفر كل الشروط والظروف العامة لسعادة الإنسان وكرامته. فتقاس الأنظمة السياسية الديمقراطية المتقدمة والمتطورة بواقع احترامها التام لمسائل الحرية والتعددية والحكم الدستوري وحقوق الإنسان وغيرها من الحقوق الفردية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
وتقاس الشعوب المتحضرة الراقية، بمدى التزامها واحترامها الطوعي لمختلف القوانين والأعراف القائمة في الدولة والمجتمع، وفي قدرة خضوع السلطة الحاكمة للإرادة الشعبية وتحقيق أهدافها ومقاصدها الوطنية، وفي العمل على دعم المؤسسات البرلمانية الدستورية، وتحييد عمل منظمات المجتمع المدني وتفعيل دورها، ولا يمكن أبدا توظيف القانون لخدمة كل تلك الأهداف في ظل نظام سياسي متغطرس ومستبد. ذلك لوجود تضارب وتعارض واضح بين سلطة القانون وسلطة الحاكم، إذ إن القانون يعيق من صلاحياته الواسعة ويقيد سلطاته المطلقة.
في جميع القوانين المتبعة في الأنظمة ذات الطابع البرلماني الدستوري، لا يمكن أن يحرم أي إنسان من نيل كامل حقوقه الشخصية، ولا يمكن أن يسجن بسبب العرق أو اللون أو الانتماء السياسي أو الاعتقاد الديني أو المذهبي أو التعبير عن آرائه وأفكاره وحرياته الفردية، إلا إذا كانت هناك أية شكوك تحوم حول قيامه بعمل ما قد يخالف القانون.
وإذا ما قامت الشرطة باعتقال الشخص المتهم، فإنه يجب أن يمثل أمام القضاء خلال مدة زمنية لا تتجاوز 24 ساعة من وقت إلقاء القبض عليه، ويقوم القاضي بعد ذلك بتقدير ضرورة استمرار توقيف المتهم أو الإفراج عنه.
ويحق للمتهم الموقوف وسلطة الادعاء العام استئناف حكم القاضي إلى محكمة أعلى لهدف تغيير وجهة الاتهام، ولا يحق لأية سلطة كانت أن تقوم بخرق حرمة البيوت وتفتيشها من دون موافقة صاحب البيت. فإذا كانت لدى الشرطة أية شكوك عن وجود أدلة بينة في البيت، فإنه عند ذلك يحق لها تفتيش البيت، وفي حال رفض صاحب البيت ذلك، فإنه يلزم على الشرطة إحضار شاهد لعملية التفتيش، وبعدها مباشرة يتوجب على الشرطة تسليم قرار التفتيش إلى المحكمة خلال 24 ساعة فقط، ولا يحق للشرطة مصادرة أي شيء من الأدلة والإثباتات والأشياء غير القانونية مثل الأسلحة والمفرقعات أو ماشابه ذلك. وفي هذه الحالة أيضا يتم إعادة الأشياء المحجوزة بقرار من القاضي، ويعطي القانون للمواطنين حرية التعبير وحرية الرأي والضمير، بمعنى أنه يحق لكل شخص أن يكتب ويقول ويناقش وينتقد، شريطة عدم التسبب في أذى للآخرين، وفي حال حدوث أمر مخالف لذلك، فإن للمحاكم فقط الحق في اتخاذ القرار لتحديد ماهية الضرر، ويحق للمواطنين تأسيس الجمعيات من دون أي ترخيص طالما كانت أهداف هذه الجمعيات قانونية وتصب في خدمة وتطور المجتمع.
ويجيز القانون حرية التجمع والتظاهر، أي أنه يحق لجميع الأشخاص الذين لديهم أهداف سلمية حرية التجمع والتظاهر من دون طلب الترخيص من السلطات الأمنية المختصة، وأما التجمعات الجماهيرية الكبيرة الحاشدة فإنها تحتاج إلى ترخيص من السلطات، ويحق للشرطة حضور ومراقبة هذه التجمعات ومن دون الشروع في أوامر التدخل في قمعها حتى لو حدثت هناك بعض الخروقات من جانب بعض الأفراد. إذ يمنع على قوات الأمن التسرع في استخدام القوة لردعهم، وفقط من حق الشرطة اعتقال الأشخاص المتهمين بالتخريب المتعمد ويجري التحقيق معهم فور اعتقالهم، ومن ثم يتم إطلاق سراحهم بعد تعهدهم للمحقق بعدم تكرار ذلك الفعل.
ويمنع القانون ممارسة التعذيب منعا تاما ضد المتهمين مهما كان شكل الفعل، فلا يسمح القانون للمحقق أن يمارس الضغط والإكراه ضد المتهم، وتقوم السلطات بإجراء التحقيقات الكاملة والشاملة بشفافية مفرطة لمحاسبة الذين يقومون بممارسة التعذيب خلال عملية التحقيق مع المتهم وإخضاعهم للعقوبة وليس بالتستر عليهم أو تكريمهم كما هو حاصل في الكثير من الأنظمة الاستبدادية.
ويعطي القانون حرية إصدار الصحف والمجلات والمطبوعات العامة والخاصة من دون أية قيود أو شروط تعجيزية، بحيث يحق لكل مواطن أن يصدر صحيفة أو مجلة فقط بتقديم طلب (علم وخبر) إلى السلطات المعنية بذلك.
ويوفر القانون حرية العبادة وحرية المعتقد «لا إكراه في الدين» ويعطي لكل مواطن مسكنا ومرتبا شهريا للضعفاء والمحتاجين وحتى العاطلين عن العمل بصورة مؤقتة، ويصون القانون كرامة المواطن وعزته ويوفر له التعليم والصحة والطبابة المجانية، ويدافع عن الوطن والمواطن والسيادة ويمنع الإمعان في قهر الناس واستعبادهم وتشريدهم، ويدعو دائما إلى الوحدة والتسامح والتساهل والعيش المشترك والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
كل هذه الحقائق يتم الأخذ بها وتنفيذها على أرض الواقع في ظل الأنظمة البرلمانية الدستورية الواقعية وليس المزيفة، وأما في الأنظمة السياسية الاستبدادية القهرية، فإنه على رغم ما يقال عن وجود دساتير وبرلمانات وأنظمة وقوانين شفافة تحمي وتصون حقوق المواطن وحرياته الشخصية، مازالت مثل هذه الأنظمة تتجاهل هذه الحقيقة وتخاف وتقلق من توسع حريات الرأي والتعبير والضمير والحريات الدينية والانتماءات السياسية والحزبية، ترى فيها ما يهدد أمنها ووجودها في السلطة والحكم.
توظف القانون ضد المواطنين وخصوصا الذين يوجهون لها سهام النقد والاعتراض على ممارساتها الخاطئة والقمعية. وتعمل السلطة على إيقاع أشد العقاب ضدهم، وتوظف شعارات الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية وحقوق الإنسان من أجل طمس مثل هذه الحقائق، كي تحاول الهروب من الاتهامات والانتقادات المحلية والدولية بسبب فرط انتهاكاتها للحريات. وتستخدم حتى الحريات لتمجيد أعمالها والتستر على مظاهر الاستبداد والقمع والتسلط واستعباد الناس.
مثل هذه الانظمة بدلا من أن تنشر قيم ومبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، تحاول أن تفرض على مجتمعاتها الخضوع والخنوع والإذلال، ولذلك نجدها تقف دائما في وجه كل تقدم وتطور جوهري وحقيقي، وتضطهد وتقهر الإنسان وتعمل على إلغاء إرادته وقدرته على الإبداع والعطاء المثمر، وتشويه عقله بالأفكار المشوشة والمزيفة.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2168 - الثلثاء 12 أغسطس 2008م الموافق 09 شعبان 1429هـ