تثير مسألة رفع الصور للمرجعيات الدينية - السياسية إشكالات عديدة أبرزها التلقي الخاطئ لمدلولات نشر الصور لدى الآخرين.
واكد عالم الدين السيدكامل الهاشمي ضرورة وضع الصور والشعارات في سياقاتها الصحيحة حتى لا تخلق ذرائع للجهات الأخرى لتكريس التهميش والإقصاء والتمييز بحق بعض الفئات.
من جهته، وصف الأستاذ الجامعي منصور المحروس إصرار بعض الجهات على رفع الصور الدينية - السياسية بأنه «انتحار جماعي لشيعة البحرين، لأن عواقب ذلك خطيرة للغاية» على حد قوله.
الوسط - محرر الشئون المحلية
تحدثت الجهات الرسمية في الفترة الماضية عن رفض الولاءات والارتباطات بالخارج، والمقصود على ما يبدو هو الرموز الشيعية غير البحرينية التي ترفع صورها في المآتم وفي أماكن عامة وتكتب شعارات لها على الجدران وفي المواقع الالكترونية، وقد وصل الأمر إلى أن استدعت وزارة الخارجية البحرينية مسئولا في السفارة الإيرانية قبل فترة وجيزة لتطلب منه توضيحا بشأن ما أثير في بعض الأوساط من أن قادة إيران (السياسيين - الدينيين) عينوا «ممثلا عاما» أو «ممثلين عامين» لهم في البحرين. وللوقوف على آراء من الجهات الأهلية نظمت «الوسط» ندوة شارك فيها كل من عالم الدين السيدكامل الهاشمي، والمحاضر الجامعي منصور المحروس، وأدار النقاش رئيس التحرير منصور الجمري.
وفي بداية الحوار قال الجمري: «منذ العام 2001 ونحن صامتون على ما يجري، وأنتم تشاهدون صور الإمام الخميني والسيدعلي الخامنئي أصبحت في المآتم وعند مداخل بعض الأحياء ونسمع هتافات تردد أحيانا وتكتب في المواقع الالكترونية تنادي بالولاء السياسي - الديني لرموز سياسية خارج البحرين - وتحديدا إيران - وهو الذي يثير حفيظة عدد غير قليل من الجهات، والسؤال المطروح على المعنيين بالشأن الشيعي في البحرين: هل حقا تعنون ما تقولون؟ وهل وافق جميع افراد الطائفة على رفع صور سياسية - دينية لها مدلولات خطيرة على مستقبل الطائفة وعلاقتها بالحكم في البحرين؟ إن كان هذا ما نريد فلنعلن ذلك صراحة، وإذا كانت هذه ظاهرة طارئة أو خاصة ولها علاقة بالتقليد الديني فلا أعتقد أن أحدا سيعترض اذا وضعت في اطارها المعقلن فحتى الحكومة لا تعترض على تقليد الفقهاء، ولكن أن يتعدى الأمر اليوم إلى الشأن السياسي والتبجيل لقيادة سياسية - دينية في بلد آخر، وهذا البلد لديه علاقات محكومة بالاطر الرسمية والمواثيق الدولية، فإن الموضوع لم يعد يحتمل السكوت عليه وهو لا يثير اللغط في الاوساك السياسية غير الشيعية فحسب، وانما الطائفة الشيعية التي تتلقى المصائب بسبب هذه الأفعال والتي لم تستشر في رفع هذه الصور وهذه الشعارات. نعم أعلم أن هذه حجة جاهزة لمن يحقد على الشيعة وقد تكون تستبطن الحقد في داخلها، ولكن مع الأسف الشديد أصبحنا اليوم نحن الأجانب وأصبح الذي لا يعرف عن البحرين شيئا هو ابن البلد، وهذا الحوار مخصص للمحاسبة الذاتية، لنقد مثل هذه السلوكيات، لقول الحق ولو على أنفسنا. فهناك من يتصور أن البعض يريد أن يجعل البحرين قطعة من إيران، والحال ليست كذلك، فالبحرين بلد مستقل كما هي إيران بلد مستقل، ولكن تلك السلوكيات ترجمت في اتجاه مضر للشيعة في البحرين، وحان الوقت لنسأل أنفسنا: ألسنا في وضع مأساوي؟ من أين نبدأ لحل هذا الموضوع الذي أصبح وكأنه جزء من المذهب؟ ربما نبدأ من الصراحة لنتحدث من دون خوف... فهل نحن واعون لما يدور حولنا؟
- السيدكامل الهاشمي: أرجو أن تكون هذه الندوة صريحة وشخصيا لم أتعود أن أقول غير الصراحة، وإنها مسألة في غاية الحساسية، وقبل أن أتقدم بنقد للجماهير، هناك أخطاء من السلطة ارتكبت ولم تبرز مناقشتها ومشكلات في السياق السياسي والإعلامي، ومنذ البدء لو انطلقت بوادر طيبة من الجميع ولاسيما من الجماهير، فعلى رغم ما واجهوه من معاناة كبيرة في فترة التسعينيات، فمع ذلك الناس عضت على أناملها، وكان يمكن أن يتواصل هذا الزخم ويكبر ولكن مع الأيام تبين أنه ليس سوى بالون أطلق في سماء البحرين، لكنه بالون منفوخ بغاز سرعان ما نفد!
أما بالنسبة إلى حالة رفع الصور، فمن الواضح أن المجتمع البحريني هو مجتمع عاطفي جدا، فالفرد البحريني أشبهه برأس صغير وقلب منتفخ، لأن الحالة العاطفية حالة مسيطرة عليه، فالأمور والتحديات لا يتناولها بعقله ولا يتناولها بالشكل الذي يحقق له مصلحة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وهذه الطريقة لا تسمح بمعالجة القضايا ضمن السياقات الطبيعية، فأصبحت كل الأمور تقاس بالمجال العاطفي وليس بدافع التفكير العقلائي، فالعقل أصبح مغيبا في الكثير من القضايا.
عندما رجعت إلى البحرين وكانت هذه الفترة هي الفترة التي جاء فيها الرئيس الإيراني السابق السيدمحمد خاتمي، نشرت بعض الآراء عن المجتمع المدني في مقالين وكنت أود أن أواصل طرح القضايا التي تتناول المجتمع المدني ولكنني تفاجأت بواقع آخر، والغريب أنه حتى في إيران نفسها يترك العنان لطرح الآراء والنظريات المختلفة بشأن المجتمع المدني.
إذا ما الفرق بين إيران والبحرين؟ الفرق هو أن طبيعة الفرد الإيراني أنه لا يتناول القضايا ضمن البعد العاطفي، فالمطارحات بشأن المجتمع المدني أفرزت تسع رؤى، فسروش له رؤيته، والسيد خاتمي له رؤيته وآخرون أيضا، وهذه الرؤى المختلفة تمثل منافذ للخروج من الأزمة، ولكن في البحرين حدث العكس تماما، فهناك رأيان تقليديان لا ثالث لهما: فهناك مهتدي أو منحرف، وهذه المشكلة ليست في المجتمع المدني وحده.
الصورة لا تمثل مشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة فيمن يتناول الصور ويضعها ضمن أي إطار، ولهذا فإن المشكلة تحولت إلى قضية عاطفية تشوبها الحساسية (...) قد أتفهم أن الناس تنساق خلف عاطفتها التي تتغلب عليها في غالبية الأحيان، فالناس - كما في علم الاجتماع السياسي - تتصرف بعقلية القطيع، ولكن علينا أن نفرق بين أخطاء الجماهير وخطايا ترتكبها الدولة، فالدولة تستطيع أن تعقلن هذه الجموع والجماهير عبر تغيير السياسات ووقف مسلسل التمييز وتوقيف التجنيس السياسي.
- الجمري: ولكن المشكلة تكمن في رفع صورة قائد سياسي في بلد آخر، وبحسب الدستور الإيراني المعدل في العام 1989 فإن المرشد له صلاحيات واسعة جدا، بل هو على رأس كل القضاياوالملفات والأجهزة ذات الصلة بالملف الأمني والعسكري والاستراتيجي؟ فهل الدولة هي المسئولة عن اقناع الناس بعدم رفع هذه الصور التي تحمل مدلولات قد لاتكون مقصودة بالنسبة لمن يحملها، ولكنها في نهاية الامر تحمل مدلولات لايمكن احتمالها من وجهات نظر من يمسك بزمام السلطة... فهل الدولة تستطيع فعلا تستطيع فعل شيء في هذا المجال؟
- الهاشمي: أنا أراهن على ذلك، لأن الدولة استطاعت ذلك فيما مضى، والدليل أنه حينما ذهب جلالة الملك إلى سترة، قوبل جلالته باستقبال شعبي غير مسبوق هناك، وهذا يعني أن الناس داست على الجراحات، ولكن الدولة...
- الجمري: عفوا... لو افترضنا أن الدولة خدعت الناس، فما الفائدة المرجوة من أن ترفع صور لها مدلولاتها الخاطئة عند الآخرين؟ وعندما توضع هذه الصورة في المآتم الكبيرة والرئيسية بعرض نصف الحائط، وهناك صورتان مركزيتان احداهما للامام الخميني والاخرى للسيد الخامنئي في كثير من مآتم البحرين... فما الرسالة من كل ذلك؟
- الهاشمي: عندما كنا في إيران، أتذكر أن أمرا صدر من الإمام الخميني بعدم نشر الصور في المساجد والمآتم ونزعت الصور فعلا، ولكن لا استطيع أن اقنع كل طرف في البحرين، ونحن في الوقت الذي نريد فيه تقنين هذه الظاهرة لا نريد أن نعطي نتائج عكسية، بحيث يشعر البعض بأن هذا السلوك يمثل عنوانا لتحدي السلطة.
- منصور المحروس: في فترة السبعينيات جميعنا يعرف أن غالبية المعتقلين هم من أبناء الطائفة السنية الكريمة، فالشخص كان غالبا يعتقل على أساس انتمائه السياسي وليس المذهبي، وفي السبعينيات أيضا انتشرت ظاهرة التزاوج بين الطائفتين، وهذا يعني أن الدولة لم تكن تمارس السلوك الطائفي كما حدث لاحقا، ولكن مشكلتنا منذ العام 1979 ومنذ حدوث المنعطف الكبير في المنطقة، لم نتعلم من أخطائنا، وجميعنا دفعنا الثمن ولانزال، فأنا مثلا جلست في البيت عاطلا لعدة سنوات فقط لأنني من طائفة معينة، الدولة مارست الطائفية بوضوح بعد بروز التيارات الدينية، وخصوصا بعد ظهور الإسلام السياسي في المنطقة.
في العام 2001 وفي ذروة الانفراج السياسي مررت على جامع كبير في العاصمة، ورأيت عليه صورة ضخمة بحجم الجدارية لإحدى المرجعيات الدينو - سياسية، وعند عودتي من البيت تنبأت لأصدقائي بنكوص سياسي قريب، وهو ما حدث فعلا.
وبعد عدة أشهر شاركت في مسيرة يوم القدس العالمي وكانت الصور والشعارات ترمز لمرجعيات دينية وسياسية أيضا وكذلك الهتافات «ولائي ولائي لعلي خامنئي»، وأنا أقول: في الوقت الذي يرفعون هذه الصور والشعارات يقولون إن الدين لا ينفصل عن السياسة، فهذا يعني أن الصور لها دلالات سياسية أيضا، نحن لا نشك في ولاءات أحد ولا في انتماء أحد لهذه الأرض، ولكن نقول إن بعض الأخطاء الكبيرة من شأنها أن تقوض مستقبل فئات كبيرة من المواطنين.
لقد صمتنا كثيرا وحان الوقت لكي نتكلم، ونحن اليوم نقولها بكل صراحة ومن دون خوف ومن أجل المصلحة: إن رفع الصور والشعارات الدينو - سياسية يعني انتحارا جماعيا لشيعة البحرين، ويعني تكبد المزيد من الخسائر، ويعني أننا نعطي الذرائع لكل الطائفيين في السلطة وخارجها لكي يواصلوا درب التمييز والتجنيس.
يجب أن نسحب الذريعة، ويجب أن نبادر لمراجعة نقدية لحساباتنا حتى لا تكون الصور عبارة عن حصان طروادة تعلق عليها كل سلبيات الدولة، نريد دولة المواطنة ودولة المساواة والدولة التي ينتفي فيها التمييز والعنصرية والطائفية، يجب نتحدث عن الدولة المدنية، حتى نتجنب كوارث المحيط من حروب طائفية وتكفير على الهوية.
بسبب أخطاء يمكن معالجتها أصبح المجتمع سنة وشيعة يكتوون بسياسة التجنيس ومنافستهم على الرزق والفرص والوظائف، نحن نعيش النفي... بدأنا نشعر بغربة في وطننا إلى الدرجة التي جاء شخص من خارج البحرين يأخذ البعثة من مواطن آخر، لابد من نقد ذاتي ومراجعة لسلوكياتنا.
- الهاشمي: التصور السائد عن مفهوم ولاية الفقيه في البحرين تصور خاطئ، وأنا أجزم أنك لو ذهبت إلى الفقيه المقصود فإنه لن يرضى عن الكثير من السلوكيات الخاطئة لدى البعض في البحرين، وأنا على يقين من ذلك، فالمشكلة ليست في النظرية بحد ذاتها. ولكن عندما نحلل المجال الطائفي في العالم الإسلامي، فسنجد أن المسئول عن بروزه وانكماشه هو الدولة بسلوكياتها، فلماذا نذهب إلى إفرازات بدلا من الجذور؟ وأنا شخصيا مازلت مستغربا، فالبحرين وفقا للميثاق وحتى الدستور الجديد أصبحت مملكة دستورية، ولكنني أجد تواطؤا عجيبا اتفقت عليه السلطة والنخبة، فهل البحرين تعيش ملكية دستورية فعلا؟... هذا سؤال محوري ويحتاج إلى إجابة شافية وصريحة أيضا.
- الجمري: حسنا... فلنفترض أن الدولة مخطئة بنسبة 95 في المئة وانها تسيطر على 95 في المئة من المعادلة السياسية وانها ليست ملكية دستورية بالشكل الذي حلمنا به... ولكن دعونا نتحدث عن 5 في المئة من الشئون الأخرى التي يتحملها المجتمع ويستطيع أن يحدد مصيرها المجتمع نفسه، وفي هذه الحال نقصد فئة من المجتمع وهم الشيعة... ما هو دور المجتمع من المعادلة، هل أصبح المجتمع فاقد الإرادة تماما حتى في الـ5 في المئة المفترضة؟
- الهاشمي: لا أعفي المجتمع من ممارسة دوره في عملية التصحيح، ولكن لاأزال أحمّل الدولة الشطر الأكبر من المسئولية، لأنها تملك السلطة. في البحرين عندما نريد أن نحلل المشكلة فيجب أن ننظر إلى كل جوانبها، وانه لأمر مؤسف أنه تآزر على هذا الشعب الآفتان - كما يعبّر النائيني - فالشعب محصور بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي، والاستبداد السياسي والديني يوجدان معا، فعندما تجد أحدهما ستجد الآخر حتما، وذلك أمر طبيعي وهو بدوره أفرز حالة التغييب، ولكن أفراد المجتمع كثيرون، ولكن العقل في الدولة هو السلطة، فهناك مملكة دستورية لم نشم رائحتها الحقيقية بعد.
- سؤال من احد الصحافيين: ولكن لماذا لا يتصدى العلماء لهذه الممارسات طالما أنها تترك أثرا على المجموع؟
- الهاشمي: حتى علماء الدين لا يرضون عن هذه الظاهرة. لا أريد أن أكون أحمق حتى لا أحشر بين حماقة الاستبداد الديني والاستبداد السياسي، فالاستبداد الديني لم يخلق مشروعات فاعلة وذات أثر للناس وأبعد المثقفين وذوي العقول عن مواقع التأثير (...) نحن نفرح بانتصارات الآخرين، لأن المجتمع لم ينجز انتصارا سياسيا، ولهذا السبب يفرح الناس برمزيات أخرى، وهذه إحدى مخلفات السلطة الدينية التي ساهمت في خنق الرمزيات ومنعت ظهور التجارب البحرينية المحلية، فالمشكلة ليست في الموقع، لأن الموقع لا يعنيني كثيرا، ولكن يهمني تحليل نظام تفكير الناس، والدليل أن الموقع ليس معيارا لنمط التفكير، فقد أكون في السلطة ولكنني أفكر بعقلية رجل الشارع.
وفي الحالة الاجتماعية نجد أن الناس لا تحاسب الإمام الذي تصلي خلفه، علينا أن نركز على العقلية بدلا من الفرد، وحتى بالنسبة إلى عامة أهل البحرين، فإن مستوى الذكاء الاجتماعي واقف عند البحريني منذ 50 سنة. في «ملتقى البحرين» جرى حوار بين الشباب على الأمطار العجيبة في شهر ابريل/ نيسان، حتى أن أحدهم قال إنها من علامات الظهور، بينما شخص واحد فقط ذكر أنها أمطار النوروز المعتادة في كل عام، وعموما فإن الطرفين السياسي والديني راغب في توفير ذاكرة قصيرة الأمد، لأن الذاكرة القصيرة تساهم في تغييب الوعي عند الناس.
- المحروس: مشكلتنا الحقيقية هي في الترميز وتقديس الأفراد، الصور هي ترميز لأفراد، بينما يجب أن ترمز المبادئ ويرمز الفكر، والعالم المتحضر تعدى هذه المرحلة، وأصبحت مبادئ حقوق الإنسان والعدالة هي التي يتم تقديسها. وهناك الكثير من النفاق. اعرف شخصا كان في قم المقدسة وهو قام بتزوير جميع وثائقه من اجل الهروب من ايران الى «بلاد الكفر» لكي يعيش من دون مضايقات في حقوقه المدنية، وعندما سألته لما لا تقول هذا الكلام الى الناس حولك لكي يفهموا أن السياسة سياسة، وان ايران ليست جنة، فلها ما لها وعليها ما عليها، ولنا ما لنا وعلينا ما علينا... فكان جوابه إنه لا يستطيع أن يقول هذا الكلام لأنه سيفقد الكثير في اوساط الناس وستتم مهاجمته في المواقع الالكترونية وفي المحافل ولن يستطيع العيش في مجتمعه.
- سؤال من صحافي آخر: العلماء يمثلون قاعدة شعبية كبيرة، فهل تخشى هذه الرموز من فقدان القاعدة الشعبية؟ وما هي مسئولية العالم في تدارك مواقع الخطأ لدى الجماهير؟
- الهاشمي: الشخص البحريني له خصوصياته، وهي ناتجة عن حياكة طويلة عبر السنين، فالخطاب الأكثر رواجا هو الخطاب الإنشائي والعاطفي، وعقلية خطيب المنبر هي السائدة، وحتى من لا يذهب إلى المأتم يسمع صوت المأتم في منزله، بل إن الدراسات العلمية الأخيرة أثبتت أن الصوت الذي يسمعه الجنين في بطن أمه يؤثر عليه، ونحن تعودنا على صوت البكاء والرثاء، وكلما واجهتنا مشكلة زاد عدد الوفيات والمناسبات، كلما جاء تحدٍ نجد أن الخطاب الديني يغذي الحالة العاطفية، وكل الأمور تنقاد للعاطفة وليس الفكر، وبعض الرموز أصبحوا جزءا من المشكلة وليس من الحل.
- الجمري: هل رفع الصور أصبح جزءا من العقيدة الشيعية في البحرين؟
- الهاشمي: لا ليس كذلك، ونظريتنا في الإمامة تقول: أن الخلل يوجد في المؤمنين فهم يحتاجون إلى إمام معصوم، وقد أتى شخص إلى الإمام الصادق (ع) وقد أصيب بجرح ووضع على جرحه قماشا، فقال: ضع لفافة وامسحها، ومشى الرجل، والإمام أوقفه وخاطبه قائلا: إذا قلت لكم أي شيء قولوا أين هذا من كتاب الله؟ نحن في البحرين يحظر علينا أن نفهم لماذا اتخذ القرار بالمشاركة أو المقاطعة، ومشكلتنا أن لدينا عقلية تتعامل مع إنسان قاصر العقل فلا يسأل، بينما الدين قائم على تقديم مبررات منطقية لكل فعل، فتفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، يشرح أن أي آية ترتبط بالعقائد فإن القرآن قرنها بالدليل، فعندما يتحدث القرآن عن العبودية يقول: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا» (الأنبياء: 22). والتربية الدينية تفرز هذه الإفرازات التي تتوافق مع سلوك العقل، ولكن البعض يقوم بكل ما يهوى من دون معرفة العواقب، لأن طبيعة غير العاقل أنه يفعل حتى الأمور التي تضره، وهذا نتاج التربية الخاطئة، وحتى خطيب المنبر هو أيضا عاطفي فهو ناجح بمقدار ما يستطيع أن يبكي المستمعين.
- الجمري: بالنسبة إلى المحروس... هل تشعر بغربتين بوصفك مثقفا شيعيا (من الأفندية)، غربة في الدولة (لانك شيعي) وغربة في المجتمع (لانك أفندي)؟
- المحروس: في الحقيقة إن اضطهاد المجتمع أقسى من اضطهاد السلطة، والنظام في البحرين استفاد استفادة كبيرة من الطرح الديني الطائفي، وعكسه في صورة سلوك طائفي منظم وممنهج، والمثقف غير الديني ليس لديه أي دور في المجتمع.
- الجمري: وهل تجد مخاطر لو ناديت بحقك في المجتمع كمثقف لا تلبس العمامة الدينية، وان تطرح رأيك وتخالف موضوع مثل رفع صور رموز دينية - سياسية في المآتم والاماكن العامة؟
- المحروس: عملية التغيير تتطلب التضحية، ولابد هناك من ثمن ندفعه، فأول امرأة دخلت مدرسة اتهمت من المجتمع بانها منحرفة، ولكن جميع البنات دخلن المدارس لاحقا، نحن يجب أن نتحمل الثمن، وإلا فلن يتغير أي شيء، وهذه هي طبيعة المنظومة الاجتماعية.
- سؤال من صحافي آخر: ولكن لماذا لا تتعامل الحكومة بحساسية مع صور ستالين أو جيفارا أو حتى جمال عبدالناصر؟
- المحروس: كانت الحكومة تتعامل مع ستالين وجيفارا بحساسية في ذروة قوتهما، ولكنهما عمليا ليس لديهما نفوذ في عالم اليوم... هؤلاء أصبحوا جزءا من الماضي، والدولة تتعامل مع كل شيء ذي صلة بهم على هذا الأساس، ولكن حساسية الموقف تكمن في أن الصور المرفوعة هي لمرجعيات تنتمي جغرافيا وسياسيا لقوة كبيرة في المنطقة، وهذه القوة كانت لها مشكلات سيادة مع البحرين.
- الهاشمي: ما يجري في البحرين هو لعبة أغبياء.
- سؤال من صحافي: هل تعتقد أن البعض في الجانب الرسمي يحتاج إلى ذريعة لكي يمنع توظيف أبناء طائفة كبيرة من المواطنين من العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية وبقية المناصب الحساسة؟
- المحروس: يجب أن نسد باب الذرائع، هناك صور معلقة في كل مكان، والبعض يريدها حجة فلماذا نعطيه الفرصة ليستفيد (...) في كل الأحوال يجب أن ننصح شبابنا، ويجب التركيز على أمرين أساسيين: التعليم والاقتصاد للنهوض بالمجتمع.
- الهاشمي: الحكومة استغلت بعض الممارسات للهروب من مسئولياتها، فالبنسبة إلى مشروعات التنمية في المالكية أعلنت الحكومة توقيفها تحت مثل هذه الذرائع، لأن الحكومة وجدت نفسها في مواجهة استحقاق مهم، وهي حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها وهي الحرمان الكبير الناتج عن الإهمال الرسمي لهذه المناطق. في كل الأحوال يجب ألا نعطي الفرصة لأي طرف ليستغل الثغرات، ويمارس دوره في الإقصاء، وكما قال مارتن لوثر كنج: «لا يمكن لأحد أن يمتطي ظهرك إلا إذا وجده منحنيا»!
- الجمري: يبقى اننا مسئولون عن افعالنا واقوالنا وما نردده في منتدياتنا ومآتمنا ومساجدنا، ولا يمكن أن تتوقع من الآخرين أن يفهموك على أمر آخر اذا كنت لا تعرف كيف تظهر هويتك وتوجهاتك الا بهذا الاسلوب، وقد نفهم أن الموضوع يتم اخراجه من اطاره العاطفي، ولكننا نتحدث عن مصالح أمة تتضررر من فعل يرتكب باسمها، فاذا كانت الامة المعنية أو الفئة المعنية قد وافقت على هذا القول والفعل، فإن السؤال يتوجه اليها إن كانت تفهم مدلولات هذا القول والفعل، واذا كانت تفهمه فلا تلومن الا نفسها، وان كانت لا تفهمه فإن الدنيا لا ترحم الذين لا يعون ما يقومون به. لا يمكننا أن نرمي كل شيء على الدولة أو على اعداء الشيعة داخل اجهزة الدولة، فالبحرين بلد للجميع، ولا يمكن لاحد أن ينال من أحد، ولا يمكن لأي مخلوق أن يزايد على ولاء الشيعة لوطنهم وكيف انهم ساهموا في صنع الاستقلال وتحديد هوية البحرين وكيف انهم ضحوا ويضحون/ وتسامحوا ويتسامحون، ولكن كل هذا على جنب، وما نحتاجه وقفة صادقة مع أصحاب المآتم ومع علماء الدين ومع كل شخص يرفع هذه الصور أو هذه الشعارات، وعلينا أن نتحاور معهم لكي نفهم لماذا يقومون بأمور تعود عليهم وعلى غيرهم بالضرر الواضح.
العدد 2168 - الثلثاء 12 أغسطس 2008م الموافق 09 شعبان 1429هـ