العدد 2168 - الثلثاء 12 أغسطس 2008م الموافق 09 شعبان 1429هـ

السوريون يرون ناحية اقتصادية للسلام

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

لا يكنّ سامر زيات، مثله مثل معظم السوريين، أي حب لـ «إسرائيل»، وقد شعر بعدم الراحة قليلا عندما أعلنت سورية نهاية شهر مايو/ أيار الماضي أنها تعقد محادثات غير مباشرة للتسوية السلمية مع أقدم خصم رهيب لها.

إلا أن زيات - المصور السينمائي التلفزيوني البالغ من العمر 35 عاما - يقول إنه يرى اتفاقية السلام مع «إسرائيل» على أنها ضرورية ولا مناص منها، ليس لأسباب سياسية فقط وإنما لأن اقتصاد سورية معرّض ويحتاج إلى كل مساعدة يستطيع الحصول عليها.

«نحن متعبون. البلد يختنق»، يقول زيات وهو يلعب طاولة الزهر مع صديق له في أحد المقاهي بدمشق، حيث يعبق المكان برائحة تبغ التفاح اللذيذة. «لقد عانينا لفترة طويلة من المقاطعة السياسية والعقوبات الاقتصادية». ويكرر الكثيرون هذا الشعور.

ارتفعت الأسعار بشدة في سورية بعد أن قطعت الحكومة السورية المعونات النفطية في مايو الماضي؛ مما زاد عمق الفجوة بين الغني والفقير في هذه الدولة الاشتراكية بشكل رمزي.

لم يكن لدى الدولة خيار، فاحتياطي النفط الذي طالما اعتمدت سورية عليه آخذ في الاختفاء بسرعة، وتحول الفائض الضخم في الموازنة الذي ساد قبل عقد من الزمان إلى عجز يبلغ عدة مليارات من الدولارات. أصبحت الدولة التي كانت تستطيع ممارسة عدم المبالاة الهادئة بالعقوبات الغربية مضطرة الآن لأن تفتح اقتصادها وتحرّره.

لم يغير أي من ذلك قناعة سورية بأن أي اتفاق سلام يجب أن يضم عودة مرتفعات الجولان، وهي المنطقة التي احتلتها «إسرائيل» العام 1967. إلا أن مستقبلا غير واضح ومشكوك فيه بعمق قد أوجد حوافز إضافية للسلام، الذي يمكنه أن يساعد على اجتذاب الاستثمارات الخارجية من خلال إنهاء وضع سورية كدولة منبوذة في الغرب.

يمكن لتسوية مع «إسرائيل» أن «ترفع وزنا كبيرا عن أكتافنا»، يقول غمار ديب، وهو محامٍ واقتصادي سوري يعمل مع الأمم المتحدة في سورية. سيؤدي ذلك إلى رفع العقوبات؛ مما سيعطي سورية سبل الوصول إلى الاستثمارات الجديدة وإمدادات التقنية العالية وفرص التدريب، بحسب قوله.

«الفقر في ازدياد، وعدم المساواة في ازدياد، وأنا أعتقد أن الشارع محبط» يقول ديب. «إنهم يحتاجون إلى السلام مع جميع جيراننا».

ليس من الواضح إن كانت الحكومة السورية ترى المشكلات الاقتصادية كعامل في المفاوضات مع «إسرائيل». على رغم أنها بدأت بإجراء تغييرات اقتصادية قبل بضع سنوات إلا أن التقدم كان بطيئا، وطالما كانت مصادر القلق الاستراتيجي السياسي عظيمة لدى الرئيس السوري بشار الأسد، ووالده حافظ الأسد، الذي حكم من سنة 1970 حتى وفاته العام 2000.

كما أن ليس من الوضوح بمكان إن كانت المحادثات ستنجح. يواجه رئيس وزراء «إسرائيل» إيهود أولمرت اتهامات بالفساد قد تؤدي إلى سقوطه، ويقول البعض إن السوريين قد يكونون غير مستعدين لبذل التضحيات التي تتطلبها «إسرائيل».

ظهر الأسد الشهر الماضي في تجمع سياسي إقليمي في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ويقول بعض المحللين إن السوريين قد يعتقدون الآن أن باستطاعتهم الخروج من عزلتهم السياسية والاقتصادية النسبية من دون الحاجة لمصافحة الإسرائيليين. وهذا على رغم حقيقة أن إدارة الرئيس بوش، التي تتهم سورية بدعم الإرهاب، أضافت حديثا عقوبات جديدة على الحكومة وشركائها في الأعمال التجارية.

إلا أن بعض المحللين يقولون إنهم يصدقون أن مشكلات سورية الاقتصادية يجب أن يكون لها دور في حسابات الحكومة بشأن السلام الإقليمي.

«التحول الموجود أمامهم اليوم ضخم جدا» يقول أندرو تابلر، وهو محلل للشئون السورية ومركزه دمشق، ويعمل مستشارا تحريريا لمجلة «سورية اليوم». «يتوجب عليهم الانتقال من دولة تمولها الإيرادات النفطية إلى دولة تمولها الضرائب، ويجب أن يكون لهذا الأمر دور في تفكيرهم».

لن يكون الأمر مثيرا للدهشة. كان النفط هو عماد الدخل الحكومي، إذ يوفر 70 في المئة من إيرادات الدولة التصديرية. وهو الآن آخذ بالنضوب بسرعة لدرجة أنه يتوقع أن تصبح سورية مستوردا صافيا للنفط الخام خلال سنتين فقط، بحسب صندوق النقد الدولي.

تستورد سورية الآن منتجات نفطية بأسعار قياسية، وتدفع معونات ضخمة ودعما للحد من كلفتها على مواطنيها. لهذا السبب بدأت سورية خفض دعمها المدمّر خلال السنوات الماضية؛ مما تسبب بارتفاع الأسعار وما نتج منه من عملية دومينو على أسعار المواد الغذائية.

وأضافت سنتان من المحصول السيئ في منطقة زراعة القمح في سورية إلى المشكلة. ورفعت الحكومة في مايو الماضي رواتب ودفعات التقاعد في القطاع الخاص، والتي كانت تبلغ ما معدله 130 دولارا في الشهر لكل من مليوني مستفيد، بواقع 25 في المئة؛ مما وضع عبئا جديدا على الموازنة.

وقامت الحكومة بمراجعة النظام الضريبي، الذي كان غير كفؤ ويجري تجاهله في الأيام التي كان النفط فيها يحقق احتياجات الدولة المالية. لقد تم خفض النسب إلا أن أعمال الجباية ازدادت بشكل كبير، بحسب رأي المحامي الدمشقي ورئيس الفرع السوري لمجموعة Junior Chamber الدولية التجارية حسين قدور.

وبُذِلَت جهود أخرى لإيجاد بيئة صديقة أكثر للأعمال، بما فيها قوانين جرت مراجعتها عن الملكية الفكرية. وبدأت بعض النشاطات الريادية تظهر أمام الزائر لسورية، على رغم أن معظمها على المستوى المرتفع، كعشرات المطاعم والفنادق الفخمة التي افتُتِحت في العاصمة خلال السنتين الماضيتين.

«خلال الشهور الثمانية عشرة الماضية كان هناك الكثير من أعمال التحرير»، يقول عبدالسلام هيكل الذي يترأس جمعية الرياديين الشباب السورية. «بدأ الناس يدركون أن الحكومة ليست هي المزود الوحيد لهم بعد اليوم».

ويضيف هيكل أن «النشاط الجديد يوجِد حافزا جديدا وقاعدة جماهيرية لصالح نتيجة حقيقية للمفاوضات مع (إسرائيل). أعتقد أن المحرك الأكبر للسلام هو المنظور الجديد الذي نراه في مجال الأعمال».

على رغم ذلك، يوافق حتى أكثر المتفائلين الفطريين أمثال هيكل أن التحديات الخطيرة باقية. ويقول بعض المستثمرين إنهم قلقون من انعدام حكم القانون والفساد المستشري.

ويرى الكثير من السوريين أي اعتبارات اقتصادية على أنها أقل أهمية بكثير من الحاجة لمواجهة «إسرائيل»، التي تُعتَبَر بشكل واسع دولة استعمارية مفترسة.

يقول حتى زيات، المصور السينمائي، إنه «يجد قبول الأمر بالغ الصعوبة» إذا رأى العلم الإسرائيلي يرفرف في سورية، وهو يعتقد أن الكثير من السوريين يشاطرونه الرأي. إلا أنه أضاف قائلا: «إذا لم يتحقق السلام فإن إمكان الحرب سيظل مفتوحة دائما، وهذا يرعبني. أخاف على مستقبل أولادي وأسرتي».

*مراسل الشرق الأوسط لصحيفة «نيويورك تايمز»

*مراسلة مساهمة من دمشق والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2168 - الثلثاء 12 أغسطس 2008م الموافق 09 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً