العدد 2211 - الأربعاء 24 سبتمبر 2008م الموافق 23 رمضان 1429هـ

أبناء الأكرمين!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم تتخلف أيٌّ من الصحف المحلية يوم الاثنين الماضي عن نشر خبر حبس ابن أحد نواب الشعب، في بادرة جيدة لتغطية بعض مواقع الخلل الطبقي في المجتمع.

بعض الصحف نشرته على الصفحة الأولى، وبعضها نشرته في الداخل، ولكن كان هناك إجماعٌ على ضرورة نشر الخبر وعدم التستّر عليه، مهما كان موقع هذا النائب، الذي وصفته بعض الصحف بأنه قيادي في مجلس النواب.

وبعيدا عن الأسماء، وحفظا للمراكز والألقاب، فإن إجماع الصحف على نشر الخبر يعطي مؤشرا على رفض جماعي لأية سلوكيات غير مقبولة، احتماء بسلطة الأب أو الجد أو الأخ الأكبر، ما دمنا جميعا نطمح إلى بلوغ دولة المؤسسات، التي يطبّق فيها القانون على الجميع دون تمييز ولا محاباة.

الخبر الصغير يقول إن النيابة العامة أمرت بحبس ابن أحد القياديين بمجلس النواب، وآخر ابن إحدى الشخصيات المهمة لـ 7 أيام على ذمة قضية اعتداء على مواطنَيْن، توجّها لأحد الأسواق لتفصيل ملابس العيد، وفي طريقهما شاهد أحدهما ابن النائب، فطلب منه ابن النائب عدم النظر إليه قائلا: «أتعلم إلى من تتحدّث»؟ فأجابه بالنفي، فما كان من ابن النائب وصديقه إلاّ أن ردّا عليه عمليا بالضرب المبرح، تسبب في إصابات بالعين.

الواقعة حدثت وسط تجمهر كثيف من الجمهور، وفي مثل هذه الانتهاكات، يتعاطف الجمهور مع الضحايا، وينحاز تلقائيا ضد المعتدين. فمثل هذه الحوادث، رغم قلتها والحمد لله، إلا أنها تظل رواسب تدل على ما تبقى من عقليات قديمة، مازالت تعيش في الماضي، وتحلم باستمرار مظاهر الحياة في المجتمعات الطبقية.

ومثلما كان هناك إجماعٌ على نشر الخبر صحافيا، فإن هناك إجماعا مؤكدا من قبل المجتمع، فالمجتمع بكل شرائحه وطبقاته، لن يقبل تكرار مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات. وعلى من يعتقد من النواب أو أقاربهم أن لهم حصانة خاصة تبيح لهم التطاول على الناس البسطاء في الشارع، أو توقيع شيكات... إلخ، فليتذكروا أنهم أولى الناس بتطبيق القانون واحترامه، وعدم التدخل لخرقه وتعطيله.

لسنا مجتمعا يعيش في القرون الوسطى، حتى يتطاول شخصٌ على شخص آخر لا يعرفه، لمجرد أنه نظر إليه. فمثل هذه السلوكيات لا تحدث حتى في الصحراء الكبرى ولا في الغابات الاستوائية، فكيف تحدث في بلد يخطو خطواته الأولى على طريق الديمقراطية والقانون.

هذه ليست مبادئ مستوردة، وإنّما هي من صميم الدين الذي يؤمن به هذا الشعب ويعتزّ بمبادئه. ففي المساجد والجوامع، يتكلّم الخطباء دائما عن فترة الخلفاء الراشدين، وكيف استقدم الخليفة عمر (رض) ابن واحد من كبار الصحابة، من مصر، بعدما شكا واحد من أقباط مصر، بسبب لطمةٍ تلقّاها منه بعد أن غلبه في السباق. ولما تحقّق عمر من الواقعة، نزل عليه بالدرّة وهو يقول: «خذ يابن الأكرمين». ولذلك كان يقال: «درة عمر أهيب من سيف الحجاج».

الرفض جماعيٌ ومطلقٌ، ليس فقط من منطلق ديني وإنساني وأخلاقي، بل حتى على مستوى الشعور الفردي، فكل من يقرأ مثل هذا الخبر، لا يأمن أن يجد نفسه يوما يتعرض للضرب والاعتداء، لمجرّد أن عينه وقعت بالصدفة على شخصٍ لا يعرفه في الشارع، يعتقد أنه فوق القانون!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2211 - الأربعاء 24 سبتمبر 2008م الموافق 23 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً