العنف الأسري مصطلح حديث لكن الحديث عنه تزايد كثيرا لأن ضحايا هذا العنف بدأوا يتزايدون كما بدأ بعضهم يتحدث عن معاناته من هذا العنف، ولهذا أصبح لهذا اللون من العنف حضورا واضحا في الصحافة العربية، والسعودية، وكذلك في هيئات حقوق الإنسان.
العنف الأسري - بمفهومه العام - قديم في كل المجتمعات البشرية، فهناك اعتداء من الأزواج على زوجاتهم وبناتهم وأولادهم، وهناك اعتداء مماثل من الزوجات على أزواجهن وأولادهن من الجنسين، كما أن هناك اعتداءات من أنواع أخرى على الأطفال والبنات والنساء، كل ذلك كان - ولا يزال - موجودا في المجتمعات البشرية، صحيح أنه يتفاوت ما بين مجتمع وآخر، وما بين زمن وآخر، لكنه يبقى حقيقة قائمة نراها في كل مكان.
والمملكة العربية السعودية شأنها شأن بقية الدول الأخرى لا تخلو من جميع مظاهر العنف الأسري وإن كنت شخصيا أعتقد أنها أقل من غيرها بكثير بسبب التزام الكثيرين بالإسلام الذي يحرم كل تلك المظاهر خصوصا ما يتعلق منها بالأباء والأمهات، كما أن المجتمع القبلي يجعل مكانة الوالدين عظيمة في نفوس أبنائهم.
صحيح أن المجتمع القبلي - عموما - يحد كثيرا من حقوق المرأة وهذا ما يساعد على تعرضها للعنف الأسري بصور متنوعة، وكذلك يسهم في الحد من قدرتها على رفع هذا العنف عنها.
المرأة في مجتمعنا تتعرض لأنواع من هذا العنف، قد يكون أسوأه تعرضها للعنف الجسدي سواء أكانت زوجة أم إبنه، الذي أعرفه أنه ليس هناك إحصاء دقيق عن حجم هذا النوع من العنف على المرأة في بلادنا، وأعرف أن هناك صعوبة شديدة في إيجاد مثل هذا النوع من العنف، ولكن المعروف أن الرجل يوقع مثل هذا العنف على المرأة وبدرجة ملحوظة.
المحاكم في السعودية تشهد حالات - وإن كانت قليلة نسبيا - تقوم فيها المرأة برفع دعوى ضد زوجها لأنه ضربها بقوة.
والإشكالية في مثل هذا النوع من الشكاوى صعوبة إثباتها، وكذلك تأخير الحكم فيها، وأحيانا إصدار أحكام غير مقبولة لا تتناسب مع حجم المصيبة التي ألحقها الرجل بزوجته.
كم كنت أتمنى أن يحكم القاضي بأن تعامل الزوجة زوجها بالمثل فتضربه كما ضربها ليتعلم - عمليا - حجم الإهانة الجسدية والنفسية التي ألحقها بزوجته!
والمؤلم أكثر حينما يمارس الزوج هذا العمل المشين أمام أبنائه، ولوعرف حجم الكارثة التي ستلحق بهم لربما تردد كثيرا في ارتكاب تلك الجريمة.
الاعتداء الجسدي قد يلحق الرجل أيضا ومن زوجته، أعرف أن هذا أقل بكثير من حالات اعتداء الرجل على زوجته ولكنه - أيضا - موجود في بلادنا وفي غيرها.
مثل هذه الحالات تتحدث عنها الصحف أحيانا، ويعرفها بعضنا من مصادره الخاصة لأن الرجل يخشى الحديث عنها عكس المرأة، ومثل هذه الحالات تحتاج إلى حلول شأنها شأن الحلول التي نريدها لقضية المرأة.
قضايا الطلاق نوع آخر من أنواع العنف، فأحيانا يسيئ الرجل لزوجته، وتصبح الحياة بينهما مستحيلة، والضرر هنا يلحق المرأة أكثر بكثير مما يلحق بالرجل.
تتجه المرأة - وهذا قليل - إلى المحكمة لطلب الطلاق، وهنا قد تجد كثيرا من الحوائط الفولاذية التي تمنعها من الوصول إلى غايتها.
الحكم الشرعي في هذه المسائل في غاية البساطة، فالمرأة لها حق الخلع إذا اختارت فراق زوجها بإرادتها، وعلى القاضي أن يحقق لها هذه الرغبة سريعا إذا استطاعت أن ترد المهر لزوجها.
أما إذا كان طلبها بسبب سوء زوجها، أو تقصيره في واجباته فعلى القاضي إذا ثبت له ذلك أن يطلقها منه.
المشكلة هنا أن بعض القضاة يماطل في إنهاء هذه المسائل بالسرعة التي تحقق مصلحة الزوجة، قد يكون له بعض العذر في ذلك، ولكن ليس له الحق في إطالة تحقيق رغبة الزوجة لا سيما وهو يعرف المصاعب الكثيرة التي تتعرض لها المرأة في ذهابها وإيابها، خصوصا إذا عرف إصرارها على طلبها.
ومن مظاهر العنف - أيضا - منع بعض الآباء بناتهم من الزواج لأسباب واهية، أو إجبارهن على الزواج بمن لا يحببن، هذا العمل - وإن لم يكن ظاهرة - فإنه يخالف الإسلام، كما يخالف المرؤة وكذلك واجبات الآباء تجاه بناتهم.
ما يصل إلى الدوائر الحكومية - الشرطة والمحاكم - قليل من كثير، فالفتاة تجد صعوبة كبيرة في رفع دعوى ضد والدها، فالمجتمع وعاداته يقفان ضد هذا العمل، فكيف تخرج الفتاة وحدها من المنزل إلى المحكمة؟! وكيف تعود بعد ذلك إلى بيت والدها الذي اشتكته إلى القضاء؟! ماذا سيفعل والدها في هذه الظروف؟!
إشكالات كثيرة تقف هنا وهناك، ولكن لابد أن تقوم الفتاة بهذا العمل - هكذا أعتقد - ولابد أيضا لأجهزة الدولة المختصة أن تقف معها وبقوة.
على القاضي أن يبت في هذه المسألة حالا، وعليه أن يفرض على والدها أن لا يصبها بسوء وعليه أن يتابع هذه المسألة بدقة وعلى وزارة الشئون الاجتماعية أن تؤمن سكنا مناسبا لكل فتاة أو زوجة تخشى من العودة إلى بيتها حتى تنتهي قضيتها في الدوائر الحكومية.
مطاردات الشباب للفتيات هو الأمر الشائع وهوعنف جسدي ونفسي ولا شك في ذلك، ولكن مطاردة الفتيات للشباب هو الأمر المستغرب في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا.
المقال الذي كتبته «رقية الهويريني» في الجزيرة يوم 29/6/1426 هـ أصابني بالذهول، فهذه فتاة تحصل على رقم شاب ثم تطارده بالاتصالات، وتطالبه بالخروج معها، وتهدده بفضح أمره أمام زوجته وكذلك أمام الجهات الأمنية!
أعرف أن هذا قليل في مجتمعنا ولكنه - على قلته - يثبت أن المرأة تمارس العنف مثل الرجل وإن كانت أقل منه بكثير.
هناك وسائل متعددة للحد من هذا العنف ولعل أهم هذه الوسائل تنمية الحس الديني في الأسرة، لأن الدين ينهي عن العنف، ويحث على التراحم والتعاطف، والدين ينهي عن أرتكاب المحرمات كلها، وهذه المحرمات تزيد من العنف الأسري خصوصا تعاطي المخدرات التي تجعل الرجل يفقد وعيه ويرتكب كل أنواع العنف دفعة واحدة.
وتطبيق القانون بكل دقة وقوة يسهم أيضا في الحد من هذا العنف، ولعل الثقافة الأسرية التي أرى تعميمها في الجامعات والمدارس ومعرفة المرأة حقها وكيف تحصل على هذا الحق جزء مهم في مشروع الحد من العنف.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ