الحديث عن الكويت الشقيقة ومشكلاتها وهمومها هو حديث عن النفس، وليس عن الجار... الآخر، البعيد.
قضايا الكويت كثيرة الشبه بقضايا البحرين؛ بدليل انتهائنا وإياهم إلى مناقشة موضوعات العمالة الأجنبية وكوتا المرأة والمناهج الدينية في الفترة نفسها.
آخر ما أثير من خلافات في البرلمان الكويتي مناقشة كتاب مدرسي عن «التربية الإسلامية»، ضمن صراع التيارات الدينية التي لم تصل إلى قناعات ومواقف ناضجة بعد. ولذلك ستبقى مجتمعاتنا لسنوات مقبلة تعاني من هذا الخلل القيمي وتدفع فاتورته السياسية غاليا.
بعض النواب (الشيعة) كما في الخبر طالبوا بإلغاء أجزاء وعبارات من الكتاب؛ لأنه يمسّ الشيعة ويصفهم «بالكفر لأنهم يزورون القبور ». والأخطر من التكفير أنه يعتبر كلّ من يزور القبور ويتوسّل بأصحابها مشركا ويحلّ دمه وماله، وهي دعوةٌ مفتوحةٌ لمجاميع الطلبة الصغار للتجرؤ على استباحة دماء أبناء طائفة إسلامية بعد حشو أدمغتهم بمثل هذه الأفكار الشاذة، التي تخالف الرؤية الشرعية لدى غالبية المسلمين (الذين يزورون قبر الرسول الكريم (ص) ويتوسّلون به)، فضلا عن مخالفتها فتاوى الأزهر الشريف، ومقرّرات مؤتمر مكة بالاعتراف بالمذاهب الإسلامية الثمانية، بما فيها الظاهري والأباضي.
الغريب في القضية هو موقف بعض النواب (السنّة)، الذين حذّروا من تغيير المنهج، وهدّدوا وزيرة التربية بالمساءلة السياسية! والأغرب من ذلك رفض مسئولي الوزارة تغيير المناهج «بناء على آراء فردية»، فهم لا يبصرون أثر هذه الأفكار الشاذة التي تحرق الثقة بين مكونات المجتمع، وتزرع العداوة والشحناء بين طوائف المسلمين.
الخلافات المذهبية لن تختفي أو تزول، سواء حذفت هذه العبارات التكفيرية أو لا. فلكل مذهب فلسفته ودعاته وأفكاره ومسلّماته، التي قد لا يقبلها الآخرون. كل مذهب إسلامي يقوم اليوم على بنيةٍ فكريةٍ شامخةٍ كالهرم، أسّسها خلال اثني عشر قرنا، ولا يمكن لبعض النواب الصغار المملوئين غرورا سياسيا أن ينسفوها أو يتجاوزوها. وهؤلاء مُتّهمون بتكريس حالة الانقسام المذهبي، وتعميق الخلافات بين الطوائف، وإضعاف مناعة الأمة أمام الغزو الأجنبي الذي يهدّد جميع المسلمين، دون تفريق بين عراقٍ وأفغانستان، أو سعوديةٍ وإيران.
الكلّ يعلم ما تمرّ به الأمة من ضعفٍ وهوانٍ، وانقسامٍ داخلي تغذّيه مطامع الأجنبي، كما يغذّيه الجهل والتحزّبات، وأبشعها ما يجري في بلدٍ محتل منذ ستين عاما، رأينا أهله يقتتلون، بأسهم بينهم شديد، يطلبون الهدنة مع المحتل ويأنفون من الجلوس معا إلى طاولة الحوار.
هذه الحالة مرّت بها أوروبا في قرون جاهليتها الوسطى، وخاضت من أجلها حروبا امتد بعضها مئة عام، وسالت بسببها من الدماء أنهار أغرقت السهوب والوديان. ولكنهم في الأخير نزعوا أحذيتهم من رؤوسهم ووضعوا مكانها عقولا وأبصارا.
نحن المسلمين الذين كتب «مفكّرونا» في النصف الأول من القرن العشرين عن حتمية اتجاه العالم إلى الإسلام، بدأنا القرن الجديد بحالةٍ من الانفلات المذهبي المجنون، الذي أوصلنا إلى استباحة دم ملايين المسلمين، وزرع الفتاوى التكفيرية في مناهجنا ليتربى عليها ناشئتنا ويتشظّى مجتمعنا، ووقوف بعض النواب للدفاع عن بقائها كأنها قرآنٌ منزّل.
يقولون: لماذا أنتم متشائمون في الصحافة؟ من يجرؤ على التفاؤل وهو يرى هذا الكمّ الهائل من الجهل والفتاوى الشاذة، والنواب المراهقين الذين لا يعرفون معنى للتواضع واحترام الرأي الآخر، ولا يقيمون وزنا للتعايش ومستقبل الأوطان؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ