العدد 2166 - الأحد 10 أغسطس 2008م الموافق 07 شعبان 1429هـ

درويش الذي غاب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

غيّب الموت الشاعر الفلسطيني محمود درويش، بعد ثلاثة أيام من عملية جراحية للقلب المعذّب بحب الوطن السليب.

درويش الذي ولد العام 1941 في قرية فلسطينية دمّرها الصهاينة وأقاموا على أنقاضها قرية «احيهود»، ولم يبلغ السابعة حتى وجد نفسه ضمن قوافل اللاجئين إلى لبنان. وعاد إلى بلده متسللا، وأكمل تعليمه متخفيا، خشية النفي من جديد.

التحق بالحزب الشيوعي في «إسرائيل»، وأخذ يكتب شعرا ونثرا، فبدأ مسلسل المضايقات والاعتقالات وهو في العشرين، بسبب أشعاره ونشاطه السياسي من أجل الوطن. وفي مطلع السبعينيات خرج إلى مصر، ومنها إلى لبنان، ليأخذ مكانه في مؤسسات النشر والدراسات الفلسطينية، رئيسا لرابطة الكتاب والصحافيين الفلسطينيين.

درويش الذي يعتبر من أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب المعاصرين، الذين شاركوا في تشكيل الوعي العام لدى جيلين من الشباب العربي على الأقل، الذي استيقظ ذات يوم في مطلع الستينيات على أصوات «عصافير بلا أجنحة»، (ديوانه الأول) ليشهد ميلاد «شاعر المقاومة الفلسطينية»، الذي ستترجم أعماله لأكثر من عشرين لغة.

امتزج في شعر درويش الوطن بالحبيبة حتى باتا سيمفونية واحدة. وعرفه الجمهور العربي منذ أربعين عاما، شاعرا يتلو سفر العذاب الفلسطيني تحت الاحتلال، ويعزف مزامير اللاجئين في المخيمات المنتشرة في الشتات... على إيقاع القصائد المهرّبة من الأرض المحتلة: «سجّل أنا عربي»، التي يعبّر فيها عن صمود الباقين في أرضهم بعد النكبة؛ و«لا تعتذر عمّا فعلت»؛ و«يوميات جرح فلسطيني»، التي يصرخ فيها:

«آه يا جرحي المكابر

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر

إنني العاشق والأرض الحبيبة».

ويذوب رقة في المنفى وهو يتذكر أمّه البعيدة ويعود مثل طفلٍ صغير:

«أحنّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي...

خذيني إذا عدت يوما وشاحا لهدبك

تعمد من طهر كعبك».

الرجل الذي عاش حصار بيروت في 1982، وردّ على الغزو الاسرائيلي بقصيدة «حاصر حصارك»، كتب «إعلان الاستقلال الفلسطيني» الذي أعلن في الجزائر بعد ستة أعوام. وعاد إلى فلسطين المحتلة بعد التوقيع على اتفاقيات السلام المؤقتة، ليشهد ما يتعرّض له الوطن من استنزافٍ للأرض، واستباحةٍ للشعب، وانتشارٍ للمستوطنات كالطفح الجلدي، والرفض الصهيوني لإقامة سلطةٍ حقيقيةٍ للفلسطينيين، فاستقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

في عامه الأخير، يقال ان درويش كان كثير التحدّث عن الموت الذي اقترب، سبق له أن خضع لعمليتين في القلب، بين عامي 1984 و1998، لكن القلب المتعب لم يتحمل عملية ثالثة في العام 2008، فكان إسدال الستار.

بعد رحلة تجوال طويلة، بين موسكو وبيروت والقاهرة وتونس وعواصم أخرى، ألقى درويش عصاه في آخر المطاف، لقد آن للقلب الذي هدّه طوال السفر أن يستريح. في مرحلة دخلت فيها القضية مرحلة الانتحار، بعد أن تجاوز الفلسطينيون آخر خطوط الدفاع عن قلعتهم الحمراء، باستباحة قتل الفلسطيني على الهوية الحزبية، وهو ما كان فوق طاقة قلب شاعر حساس على الاحتمال.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2166 - الأحد 10 أغسطس 2008م الموافق 07 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً