الاجتماع الذي عقده جلالة الملك مع عدد من علماء الدين من الطائفتين الكريمتين نهاية الشهر الماضي، وما تلاه لاحقا من إفراج عن 225 سجينا (بينهم نحو 72 شخصا من المرتبطين بقضايا أمنية بحسب بعض المفرج عنهم، والباقي لهم علاقة بقضايا جنائية مثل السرقة ... إلخ)، طرح سؤالا عن انعدام أهمية الدور الذي تلعبه الجمعيات السياسية. فالبيانات الرسمية تحدثت عن أن جلالة الملك أفرج عن السجناء بعد لقائه عددا من المهتمين بالشأن الديني، وهذا كان مدخلا لأفكار انطلقت لاحقا تتحدث عن انتهاء دور الجمعيات السياسية بصورة فعلية.
الجمعيات السياسية لايطلق عليها أحزاب في البحرين، لأن الأحزاب تستطيع الوصول إلى مستوى تسلم الحكومة عبر الانتخابات، وهذا سيحتاج إلى تغيير دستور للسماح به، ولذلك جاء مسمى «الجمعيات السياسية». ولكن الانتخابات البلدية والنيابية في 2002 و 2006 أوضحت أن الذين يصلون إلى المجالس المنتخبة إنما هم أتباع اتجاهات دينية محددة (السلف، الإخوان، الشيعة)، وهؤلاء لديهم جمعياتهم ومؤسساتهم الدينية ومساجدهم، وعندما احتاجت هذه الاتجاهات إلى الإعلان عن وجودها سياسيا أسست جمعيات سياسية رديفة لجمعياتها الدينية.
بالنسبة إلى جمعيتي السلف (الأصالة) والإخوان (المنبر الإسلامي) فإنهما باشرتا اقتطاف ثمار تحالفهما الاستراتيجي مع الحكم، بينما بقيت الوفاق (الشيعة) في صراع بين شارعها المعارض الذي يعتقد باستمرار مظلوميته وسقفها السياسي المسموح به. والملاحظ أنه في وقت الشدة تختفي أسماء الجمعيات السياسية وتبرز أسماء رجال الدين فقط، بل ان الرموز الدينية تتحرك في الفترات العادية بصورة مباشرة مع جمهورها الذي يصلي خلفها أو يتلقى تصريحاتها عبر وسائل الاتصال المتاحة.
إن ضعف دور الجمعيات السياسية لا يعود في حقيقته إلى أن الثقل المركزي لكل الاتجاهات الدينية يكمن في قبضة علماء الدين (الذين لايمكن لجمعية ما أن تلزمهم بشيء)، وأنما أيضا إلى ممارسات وزارة العدل التي تستحق «جائزة» على كل ماتقوم به من تضييق خناق على العمل السياسي المنظم، بحيث لم تعد لدينا سوى هياكل قانونية (على الورق) ولكنها مفرغة من قدراتها الفعلية لممارسة العمل السياسي المنظم. إن استمرار هذه الحالة ربما يؤكد لنا بعد فترة أن عصر الجمعيات السياسية انتهى.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2166 - الأحد 10 أغسطس 2008م الموافق 07 شعبان 1429هـ