أظهرت السنوات الخمس عشرة الماضية أنه لا يستطيع لا «إسرائيل» ولا الفلسطينيون التوصل إلى السلام وحدهم، لأسباب داخلية وخارجية معقدة بالنسبة إلى كل منهما.
رأيي أنه لا يمكن إلا لمؤتمر سلام إقليمي دائم برعاية دولية أن يوقف حالة الجمود، ويتحتم على بريطانيا وفرنسا وألمانيا أن تلعب دورا مركزيا في هذه العملية.
هذه هي النتيجة التي وصل إليها بحث أجرته عبر سنوات لجنة الرقابة الدائمة على الإرهاب للاتحاد العالمي للعلماء، وأنا عضو فيه. وتضم هذه اللجنة عددا من كبار الباحثين في مجالات ذات علاقة، ويرأسها اللورد جون ألدرديس، الذي يطبق خبرته في عملية السلام في أيرلندا الشمالية على عدد من النزاعات حول العالم. وقد حان الوقت لتطبيق هذا النموذج في الشرق الأوسط، كما تشير بعض الأحداث التي جرت مؤخرا.
وقد سبقت زيارة غوردون براون إلى «إسرائيل» في الشهور الأخيرة زيارتان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وقد عبَّروا جميعا أمام الكنيست عن تضامنهم القوي مع «إسرائيل» والتزامهم ببقائها وأمنها. إلا أنهم على رغم ذلك انتقدوا سياسات «إسرائيل» في الضفة الغربية. وقد أكدوا جميعا أن جدار الفصل وحواجز الطرق تخلق ظروفا لا يمكن قبولها من طرف الفلسطينيين، وأوضحوا جميعا أنهم يؤمنون أنه يتوجب أن تصبح القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
يشكل هذا الخليط من التضامن والانتقاد أمرا مهما جدا بالنسبة إلى النفسية الإسرائيلية، وخطوة إيجابية أولى. ولكن الوقت قد حان لأن تدرك أوروبا أنه يتوجب عليها أن تذهب إلى ما وراء هذا وأن تبدأ بلعب دور نشط في نزاع الشرق الأوسط، وهو دور هناك حاجة ماسة إليه لتسكين مخاوف «إسرائيل» وإعطاء الأمل للفلسطينيين.
يشعر الإسرائيليون بشكل كاسح بأنه لا يوجد لديهم دعم يمكن الوثوق به باستثناء الولايات المتحدة. معظم الأوروبيين ينتقدون «إسرائيل» بشدة، ولأسباب صحيحة أحيانا، ونتيجة لذلك لا يشعر معظمهم بأي تعاطف معمق تجاه مخاوف «إسرائيل» الوجودية.
وأسمع أحيانا أنهم يعتقدون أن هذه المخاوف هي مجرد اختراعات تهكمية لتبرير الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية.
ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة. فالمخاوف حقيقية جدا من الناحية النفسية، ولها أسس واقعية؛ أفكار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمحرقة ومقارنته «إسرائيل» بسرطان يجب استئصاله من الشرق الأوسط، إضافة إلى توجه إيران نحو الحصول على سلاح نووي... تخلق جميعها هلعا في «إسرائيل». أضف إلى ذلك أن «حماس» تستشهد ببروتوكولات حكماء صهيون في بيانها التأسيسي، وستحصل على خليط يجري فيه إعادة إحياء جميع صدمات التاريخ اليهودي المعاصر.
لا يبرر أي من هذا حتى دقيقة أخرى من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية أو توسيع مستوطنة واحدة. المشكلة هي أن صدمات متواصلة، مثل تفجيرات انتحارية بُعَيْد توقيع اتفاقيات أوسلو أو قصف صاروخي بعد إخلاء غزة أدت إلى نقطة لم يعد معظم الإسرائيليين فيها يؤمنون بأن الأمر يستحق المخاطرة من أجل السلام.
وبسبب عزلتها وانعدام دعم أوروبي حقيقي، اتكأت «إسرائيل» بشكل كامل على الولايات المتحدة. النتائج، وخاصة بعد أكثر من سبع سنوات على إدارة جورج دبليو بوش، كانت كارثية.
شكّل اختراع الولايات المتحدة «للحرب على الإرهاب» و «محور الشر» تفاعلا مضاعفا مدمرا مع عقلية «إسرائيل» الخائفة والشكاكة بشكل أساسي.
إضافة إلى ذلك قامت الولايات المتحدة ببناء جهود استمرت عقودا طويلة نحو السلام في الشرق الأوسط استنادا إلى استراتيجية عقد القمة. وأدت المفاوضات وراء الكواليس إلى مؤتمرات قمة ذات تغطية واسعة. كما أدى أسلوب العمل هذا خلال العقد الأخير من فشل إلى فشل، كما قوَّض الإيمان بالسلام على الجانبين.
لا يوجد سوى حل واحد ضمن هذه الشروط، هو ذلك الذي تقترحه بحوث لجنتنا: مؤتمر سلام دائم لا يحدد زمنا ويضم جميع الأطراف بما فيها جامعة الدول العربية وإيران على المدى البعيد.
يمكن لبريطانيا وألمانيا وفرنسا أن تلعب دورا حاسما في تشكيل ورعاية مثل هذا الإطار لأن الولايات المتحدة فقدت وضعها كصانع سلام صادق بسبب أخطاء عهد جورج دبليو بوش الفادحة، على رغم أن من المأمول أن تكون الإدارة الأميركية القادمة منفتحة نحو التوجه متعدد الجوانب وأن تصلح بعض الأضرار التي وقعت خلال السنوات السبع الماضية. قد يتساءل البريطانيون والألمان والفرنسيون، «ولكن لماذا يتوجب علينا التدخل في أكثر النزاعات مشاكسة وصعوبة على هذا الكوكب؟».
أعتقد أن هناك إجابة كاسحة. التوتر بين الغرب والإسلام السياسي هو على الأرجح المشكلة السياسية الجغرافية الأولى في العالم. ولأسباب جغرافية وتاريخية تعتبر أوروبا غارقة حتى أذنيها فيه. وعلى رغم أن للتوتر بين العالم الإسلامي والغرب جذورا تاريخية عميقة، وأن السبب وراءه ليس هو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن هذا النزاع أصبح شعار الصدام بين الغرب والإسلام، ونموذجا في طريقه إلى أن يصبح نبوءة ذاتية التحقيق. فحل هذا النزاع هو في صالح أوروبا الوجودي وهو بالتالي يستحق العناء إلى درجة بعيدة.
* أستاذ في دائرة علم النفس بجامعة تل أبيب وعضو في لجنة الرقابة الدائمة على الإرهاب للاتحاد العالمي للعلماء، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2166 - الأحد 10 أغسطس 2008م الموافق 07 شعبان 1429هـ