الشعور بالمسئولية الاجتماعية يدعو للبحث عن حلٍّ لقضية كادر التمريض، الذي أصبح مثار جدل بين جمعية التمريض ومن تمثّلهم من جهة، ووزارتي الصحة والتنمية الاجتماعية وديوان الخدمة المدنية من جهة أخرى.
القضية أصبحت الآن قضية رأي عام، ويمكن أن تصبح مثالا جيّدا للمطالبة السلمية الراقية بالحقوق على يد المؤسسات المدنية والمهنية، أو تنتكس لتقدّم مثالا إضافيا على أن كل من يطالب بتحسين وضعه سيواجه بحملات القمع والترهيب والتخوين والتهديدات. مخجلٌ أن يُدفع أحد مسئولي «حصّالة حقوقية» (يعرفه الجمهور تماما) ليهدّد مسئولي الجمعية بالسجن إن لم يتراجعوا عن مطالباتهم!
في منتدى الأربعاء بجمعية «وعد» طالبت رئيسة جمعية التمريض رولا الصفّار بنقل مهنة التمريض من العمومية إلى التخصصية، فهذه الخطوة سبقتنا إليها دول أخرى مثل أستراليا وأميركا منذ السبعينيات.
الصفّار عملت في الولايات المتحدة، وكانت تتقاضى أجرا كبيرا، ولكنها عادت لتعمل وتخدم بلدها، ولذلك عندما تسلّمت أول راتب لها هنا سألت زوجها: هل هذا راتب أسبوع؟ وكشفت أن الكادر كان مطروحا منذ منتصف الثمانينيات، وليس منذ أسبوعين حتى يقال إنه عملية «ليّ ذراع» وتهديدات! بل إن الشعار «أطلقوا سراح كادر التمريض» مأخوذٌ من مقال كتبته إحدى رائدات التمريض السيدة ليلى مراد (متقاعدة حاليا) نشر في العام 2005.
الكادر كان على رأس أول اجتماع مع وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ، وسجّلت الجمعية عليه بعض التحفظات. بل إن وزير الصحة الحالي فيصل الحمر نادى بنقل التمريض للدرجة التخصصية، أول ما تسلّم حقيبته الوزارية، ولكن بعد ذلك تغيّر موقفه كما قالت الصفّار، التي لم تخفِ امتعاضها من المغالطات التي نشرتها إحدى الصحف، وموقف إدارة التمريض التي كانت تدعو لحلّ الجمعية، بدل مساندة مطالب الممرضين العادلة.
مسئولو الجمعية نفوا في اللقاء ما روّجته تلك الصحيفة من التهديد بالإضراب، وقالوا: «نحن أول من دشّن وكتب عن أخلاقيات التمريض قبل خمسة وعشرين عاما، ولن نكون أول من ينقضه».
الجمعية وفي خطوةٍ جيدةٍ للتعريف بقضيتها للرأي العام، أخذت تتكلّم بالأرقام، فالممرضة عالميا تعمل على رعاية أربعة مرضى، على حين الممرضة البحرينية ترعى عشرين مريضا في بعض أجنحة مجمع السلمانية الطبي.
الجمعية كشفت أيضا أن لدينا في البحرين ثلاثة آلاف ممرضة في المستشفيات الحكومية، وأن هناك نقصا كبيرا في تغطية العدد المطلوب، وخصوصا مع افتتاح مستشفى الملك حمد بالمحرق، حيث ستضطر الوزارة للاستعانة بممرّضي «السلمانية» الذين يشكون من النقص أصلا؛ مما يطرح قضية غياب التخطيط لدى الوزارة.
قضية أخرى لا تقل أهمية عن غياب التخطيط طرحها ممثل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين - لاشك أن سعادة الوزير ووكلاءه يعرفونها - وهي أن الممرضات الأجنبيات حديثات التخرّج يتخذن البحرين «محطة ترانزيت» لاكتساب الخبرة، ومن ثم الالتحاق بالدول الغربية حيث يجدن الأجور الأعلى بحكم قوة الطلب عالميا على مهنة التمريض التي تعاني من نقص في كثير من البلدان. بكلمةٍ أخرى... يتعلّمن الحلاقة في رؤوس القرعان البحرينيين.
فحتى من الناحية الاستراتيجية يجب التفكير جديا في توطين مهنة التمريض، وتحصينها بكادر مناسب يمنع تسرّب الكفاءات الوطنية، وخصوصا أن هذا القطاع سيظل مصدرا واعدا لامتصاص جزء مهم من العمالة، وبالتالي يساهم في حل مشكلة البطالة على المدى البعيد. إنها أكبر من قضية كادر... إنها تخطيط وتحصين للمستقبل لو تعلمون.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2165 - السبت 09 أغسطس 2008م الموافق 06 شعبان 1429هـ