نعجب من بعض كتابنا الذين سبق أن نصحناهم بالاطلاع والقراءة قبل مباشرة تدبيج المقالات التي هي في ظاهرها مناقشة قضايا عامة وعمالية وفي باطنها تحريض الدولة وبالذات على الطرف الذي على رغم مساهماته الكثيرة والكبيرة في البناء والتنمية والتطور، يبقى بعيدا عن مراكز القرار والمساهمة الحقة في التأثير على كل ما يمس حياته ومستقبله وحقوقه. ونعني بهذا الطرف الشريحة الكبيرة من عمال البحرين ممثلة في اتحادهم النقابي وأمينه العام سيدسلمان المحفوظ.
في البداية، نود أن نوضح أن كل الدول التي تنضم إلى عضوية منظمة العمل الدولية وتوقع العهود الدولية ملزمة بأن تعدل صياغة قوانينها بما لا يتعارض مع تلك العهود أو مع النظام الأساسي (دستور) لمنظمة العمل الدولية. فأية قوانين محلية ووطنية تتعارض مع تلك العهود ومع النظام الأساسي الذي ارتضت تلك الدول العمل تحت مظلته تصبح لاغية شرعا وقانونا إن لم يتم تعديلها ودع عنك القرارات الإدارية التي ليس لها ما للقانون من مفعول وتأثير.
فإعلان فيلادلفيا الذي تم إلحاقه بالنظام الأساسي أو دستور منظمة العمل أصبح جزءا لا يتجزأ من نظامها ينص وبصريح العبارة على أن حق العمال في الإضراب مكفول وفي أي موقع أو مؤسسة، حيث إن هذا هو سلاحهم الأساسي والوحيد لانتزاع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية من إدارات ومؤسسات متعجرفة ومتصلبة وبالذات حين يتعلق الأمر بهذه الحقوق والاستحقاقات.
كما أن الاتفاقية 87 نصت على ما جاء في ذلك الإعلان وذكرت في البند الثامن (2) بأنه لا يجوز أن ينطوي قانون البلد على المساس بالضمانات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية أو أن يطبق بطريقة فيها مساس بهذه الضمانات. وهي اتفاقية تتعذر لنا وزارة العمل والدولة بها من أجل الترويج للتعددية النقابية بتفسير قسري لمضمونها ونصوصها.
وللعلم، فقد ناقش التقرير الصادر من المنظمة والذي اعتمده مجلس إدارتها في مارس/ آذار 2008 موضوع الحريات النقابية وحق الإضراب بحسب الشكوى التي تقدم بها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في فبراير/ شباط من العام 2007.
وقد عرض التقرير فحوى شكوى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ووجهة نظر الحكومة في ردها على تلك الشكوى ومن ثم توصل التقرير إلى قناعات وتوصيات من ضمنها:
1 - لفتت اللجنة نظر حكومة البحرين إلى أنها اعترفت دائما بحق الإضراب من قبل العمال ومنظماتهم كحق أساسي للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وإن ذلك تحميه الاتفاقية 87 في طبعتها الخامسة للعام 2006 في الفقرات من 521 إلى 523.
2 - طلبت اللجنة من حكومة البحرين أن تبادر إلى تعديل المادة 21 من قانون النقابات وتحدد بشكل واضح المواقع الضرورية التي يمنع فيها الإضراب بحسب توصيف المنظمة لها وهي الخدمات التي بتوقفها يمكن أن تعرض حياة المجتمع أو الأفراد للخطر، على أن توجد آلية تعوض بها العمال في تلك المواقع بحيث تكون تعويضا مجديا ومضمونا.
3 - لفتت اللجنة نظر حكومة البحرين للإسراع في تعديل لائحة المواقع التي يمنع فيها الإضراب والصادرة بقرار سمو رئيس الوزراء رقم 62 للعام 2006، وبحيث إن الإضراب في طبيعته ومدته يمكن أن يعرض حياة وسلامة المجتمع والأفراد للخطر.
4 - حثت اللجنة حكومة البحرين على أن يتم تحديد تلك المواقع بالتشاور والحوار مع ممثلي العمال وأصحاب العمل.
على هذا الأساس ارتأت اللجنة أن المواقع التي منع فيها حق الإضراب بحسب قرار سمو رئيس الوزراء لا ينطبق عليها جميعها تفسيرها للمواقع التي يمكن للإضراب أن يعرض حياة المواطنين أو أمنهم الشخصي والصحي للخطر. ومن هذا المنطلق ارتأت اللجنة في تقريرها أنه في حالة منع الإضراب في مواقع عمل معينة بحسب تفسيرها لتلك الأماكن، يجب أن توضع آليات بديلة تعوض العمال في تلك المواقع عن الحقوق التي فقدوها للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. وفي تلك الحالة يجب توفير الحماية للعمال في تلك المواقع ووضع آليات مناسبة وعادلة وغير متحيزة وسريعة للتشاور والتحكيم وبحيث يمكن التوصل إلى تسوية يجب وضعها مباشرة موضع التنفيذ.
لذلك وقبل تحريض الدولة على الاتحاد وعلى أمينه العام أو رئيسة جمعية التمريض كان الأجدى مطالبة الدولة بتنفيذ التزاماتها أمام منظمة العمل وتعديل قوانينها وقراراتها الإدارية لكي تتماشى مع العهود والأنظمة الدولية بما في ذلك إيجاد آلية فعالة وسريعة لمعالجة المشكلات التي يعاني منها العمال في مواقع العمل الحساسة. وهنا نود أن نشير إلى أن وضع الشارات بألوان تصاعدية هو إحدى الآليات التي يلجأ لها العمال لإشعار أصحاب العمل بضرورة التعامل مع مشكلاتهم ومطالبهم. لذلك فإن التحقيق الذي كان من المفترض أن يتم مع رئيسة جمعية التمريض هو الآخر شبيه بالتحقيقات التي أجريت مع النقابية نجية عبدالغفار غير شرعي وغير قانوني، بل إن الفصل التعسفي الذي مارسته العديد من المؤسسات والشركات بحق النقابين يتعارض وبشكل صريح وواضح مع المادة الأولى بفقرتيها (أ) و(ب) من الاتفاقية رقم 98 .
أيها السادة، كفاكم تحريضا وخلطا للأوراق، فالصديق لمملكتنا وحكومتنا هو من يصدقها القول لا من يدغدغ مشاعرها بالتحريض والمكابرة ولي القوانين والاتفاقيات الدولية. وعلى من يحاول التصدي للشأن العام والعمالي بالذات أن يكون متابعا ومطلعا على مجريات الأمور وألا يحاول خلط الأوراق والإيحاء بأن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وأمينه العام يقومون بليِّ ذراع القانون. عجبي.
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2165 - السبت 09 أغسطس 2008م الموافق 06 شعبان 1429هـ