شخصية المستشار تشارلز بليغريف الذي كان يدير شئون الدولة ما بين 1926 و 1957 مازالت لم تدرس بعد بشكل متكامل، ومذكراته الرسميةPersonal Column تعطينا الكثير من المعلومات ولكن لا توضح كل الصورة. ولكن لدى بليغريف «مذكرات خاصة» لم تنشر، وهي مدوناته اليومية التي اعتاد على تسجيل ملاحظات عن كل حدث في كل يوم تقريبا من الأيام التي قضاها في البحرين.
الحديث كان كثيرا عن هذه المذكرات، ومنهم من قال إن حكومة البحرين اشترت حقوق المذكرات ولا يستطيع أحد نشرها إلا باذن الحكومة البحرينية... ولكن يبدو أن عصر الانترنت ألغى كل هذه المقولات. فأثناء تصفحي مصادر المعلومات عن البحرين في الفترة الأخيرة على شبكة الانترنت فوجئت بأن جميع مذكرات بليغريف الخاصة (والممنوعة من النشر) متوافرة لمن شاء أن يقرأها أو أن يطبعها كنسخ ورقية. وفيما لو حاول أحد طبعها فإنه سيحتاج الى مئات الصفحات لأن السنوات التي يغطيها بليغريف تمتد إلى أكثر من ثلاثين سنة وهي الأهم في العصر الحديث بالنسبة إلى البحرين، لأنها تغطي نشأة إدارة الدولة وتفاصيل دقيقة عن أمور شتى لا تخطر على البال.
مذكرات بليغريف الخاصة المتوافرة على الانترنت أكثر من ممتعة، وسيحتاج المرء إلى سنة لقراءتها بتمعن وفك رموز الأسماء التي يكررها بليغريف، وهناك الكثير من الأمور التي سيستفيد منها الباحثون التاريخيون الذين لاشك أنهم سيجدون منجما من المعلومات النادرة جدا.
ربما لا يمكن ترجمة ونشر كل ما كتبه بليغريف، فبعضه خاص وحساس ويتعرض لشخصيات، ولكن سيتمكن الكثيرون من تتبع قضايا مهمة مازالت معنا. فبليغريف يشير في مذكراته إلى محاولاته إصدار قانون لحماية أراضي البحرين، وأن الهبات التي كان يحصل عليها بعض الناس (من الأراضي الشاسعة) يجب أن تبقى معهم فقط أثناء حياتهم وأن تعود إلى ملكية الدولة بعد ذلك. يتحدث أيضا عن سعيه إلى إصدار قوانين وتنظيم الإجراءات، ويصف واقع الحال في البحرين بصورة مشوقة، ولابد أنه كان صاحب نكتة، ويبدو أيضا أنه حاد المزاج عندما يكون لوحده ويكتب لنفسه.
بليغريف أعد ونشر موازنات الدولة خلال السنوات التي عاشها في البحرين، إذ نشر نحو ثلاثين موازنة وثلاثين تقريرا ختاميا، وهذه الموازنات والتقارير متوافرة في مكتبة وزارة الخارجية البريطانية وفي عدد من المكتبات الكبرى، وبعد أن خرج من البحرين لم تنشر موازنة ولم ينشر تقرير ختامي بصورة علنية إلا في فترة وجيزة في مطلع السبعينيات (قبل حل المجلس الوطني)، وأخيرا بعد عودة الحياة النيابية. ومقارنة موازنات بليغريف وموازنات عصرنا الحالي توضح أن المعلومات قبل أكثر من نصف قرن أكثر دقة وأكثر وضوحا.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2165 - السبت 09 أغسطس 2008م الموافق 06 شعبان 1429هـ