لقد استطاع الخطاب الديني المتزن إبان فترة الخلافة الراشدة أن يصنع جيلا متماسكا، وبه استنار الإسلام في تلك الحقبة واستطاع أن يصل إلى أصقاع العالم وعلت رايته وأصبح العرب على رأس الهرم بعد أن تذيلوه لسنوات عجاف طويلة.
وفي مقابل هذا الخطاب، جاءت سنوات انتشر فيها الخطاب المعوج، فتقهقهر المسلمون وعادوا مرة أخرى، ولعل هذا لا يعني أن الخطاب كان السبب الرئيسي أو الوحيد لما جرى في تلك السنوات التي شهدت تراجع الحضارة الإسلامية وبزوغ الحضارة الغربية، فهناك أسباب مجتمعة كثيرة ولكن الخطاب المعوج المغلوط كان الإطار الذي تمكن من خلاله الساسة الحط من قيمة الإسلام وقوته التي بناها الأقدمون الراشدون في سنوات كثيرة.
ولربما صح لنا أن نشبه الخطاب الفارغ بالكأس الفارغ الجميل، فإذا رآه العطشان أعجبه شكله ولونه ولكنه لن يغني عطشه إذا اكتشف محتواه، أو لعله كالسراب الخادع في الصحراء القاحلة...
ولدينا مشكلة أخرى تتعلق بتقبل حقيقة وجود خطاب فارغ سواء من جهة التاريخ وحتى الواقع المعاش، فليس من المعيب أن نعترف بأن لدينا تاريخا تشوبه بعض الأخطاء وهذا حال الأمم جميعا، فأوروبا التي وصلت إلى هذا المستوى المتطور، تعترف بأن الكنسية كانت تتحكم في يوم من الأيام بمصير الشعب بكامله، بل وكانت سببا في التخلف العلمي وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وهي تعترف بأن الرؤوس الكبيرة في الكنسية كانت تضحك على العقول بمنح صكوك الغفران ورفض الاكتشافات العلمية لأنها تعتبر خرقا لقوانين الكنسية!
ويبقى المصلحون والمفسدون موجودين في كل زمان ومكان، وأنا شخصيا واثق كل الوثوق أن من يصيغ خطابه بشكل معوج ويدعو إلى الفتنة أيا كان نوعها وطريقتها فهو لا ينتمي إلى هذا الوطن لا من قريب ولا من بعيد، وليبحث في قرارة نفسه فلربما وجد أنه لا ينتمي لا في المولد ولا في القلب والقالب، وعند ذلك ليبحث عن وطنه الأم، أو ليبحث عن أقوام يقبلون بترهاته و «هراره» الذي يلقيه على المنابر.
إن مسئولية السعي إلى الوحدة مسئولية كبيرة يحاسب عليها الناس جميعا، وهي مسئوليتهم، وبالنسبة إلى العلماء والخطباء فإن المسئولية تتضاعف لأنهم المتحدثون باسم الأمة، والداعون إلى وحدتها وقوتها، وإذا انحرفوا عن هذا النهج فمن الأفضل أن نبحث عن خطباء مستوردين أو نستبدل خطباء المنابر بأشرطة كاسيت لا تحيد عن الصواب!
نحن لا نتهم أحدا بخطاب فارغ، أو كلام «هرار» فكل من «على راسه بطحه يتحسسها»، ودعونا نبتعد عن المشاحنات، فكم من فتن أودت بشعوب كان سببها كلمة لم يزنها صاحبها، والأولى بخطباء اليوم أن يجمعوا أهل البحرين تحت لواء واحد، ويحاربوا الفساد ويدعوا إلى الإصلاح، فهم يمثلون استمرارا لخطاب النبي (ص) والخلفاء الراشدين وأئمة الإسلام جميعا.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 2164 - الجمعة 08 أغسطس 2008م الموافق 05 شعبان 1429هـ