العدد 2164 - الجمعة 08 أغسطس 2008م الموافق 05 شعبان 1429هـ

الحوار السياسي

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

أضحى بعض الساسة بحاجة ماسة إلى صوغ مقولات جديدة تبرر تمسكهم بالمشاركة السياسية وتعمل إزاء الكلفة العالية والمردود المحدود - على إقناع القواعد الشعبية برجاحتها كخيار استراتيجي لا بديل له.

والثابت أيضا هو أن ثمة علاقة طردية تربط تعويل بعض الساسة المتصاعد, على مقولات الحد الأدنى بلحظات الصراع مع السلطة كما توضح الأمور الراهنة، إذ تواجه بعض التيارات الإسلامية تحدي البحث عن توازن قابل للاستقرار وصالح للتطبيق العملي بين متطلبات المشاركة ومقتضيات الالتزام الآيديولوجي.

تستدعي السياسة بتعدديتها المقيدة وبهيمنة المتغيرات تبني مواقف وسطية إزاء قضايا المجتمع الرئيسية، وتضغط على بعض النخب والمعارضات غير الدينية لتجاوز محدودية مردود مشاركتهم الراهنة.

في المقابل إن ترتب القناعات الآيديولوجية للجمعيات الدينية السياسية، ومن ورائها خشية حقيقية من فقدان تميز خطابات وبرامج تياراتهم وكذلك من خطر إبعاد قطاعات واسعة مؤثرة بقواعدهم الشعبية يجيرها الالتزام الديني، والتركيز على المرجعية الإسلامية للمتبنى من المواقف المدعومة من سياسات فئوية، حتى وإن تعارض ذلك مع أولوية بناء التوافق.

لاشك أن مهمة البحث عن الالتزام الآيديولوجي تزداد صعوبة، بل قد تتعثر عندما يفقد خيار المشاركة السياسية وهجه وطاقته الإقناعية لدى بعض قيادات الجمعيات الإسلامية وقواعدهم الشعبية على خلفية حصاده الضعيف. والنتيجة هي إما إقدام المرجعية على ارتدادات حركية عن سابق مواقف، كما شاهدنا بعد الدعوة الميمونة للحوار حيث تم استحداث هيئة دينية غير معلنة للحوار بشأن الاختلاف والخلاف السياسي (المتحاورون). وهنا أردنا التأطير بعيدا عن الاستنقاص لطائفة أو مذهب فالله الحمد كل من تناولناهم في هذه المقدمة مسلمون. ولكن هل يعلم المتحاورون أن هدف الحوار هو توضيح مشكلة ما، والمساعدة على وضع أسس حلها بشكل مشترك، وهذا يعني الإقناع والاتفاق، أي أن هدف الحوار هو الوصول إلى اتفاق، وهو بالمختصر المساعدة على وضع خطوات عمل مشتركة. بمعنى على المتحاورين البدء بمعرفة الواقع والمشكلات «كشف الحقيقة» وما هي الإجراءات الضرورية الواجبة، ما هي المطالب والرغبات وما هي الإمكانات بعيدا عن المحاصصة والفئوية. وللدخول إلى جوهر تلك العناصر يتطلب التصنيف أو التقسيم من حيث عنصر المعرفة السياسية والتجربة - وفي هذه الحالة تظهر المنافسة، كذلك تظهر بوادر المنافع الشخصية والأضرار العامة.

بما أن الحوار السياسي يعد إحدى أهم علامات الديمقراطية والتعامل الديمقراطي، ووجود الديمقراطية بحد ذاته هو وجود للحرية، وتحمل بشكل طبيعي الانتقاد والانتقاد الذاتي، وحتى الأنظمة الدكتاتورية لا تستطيع اجتثاث الحوار من الحياة السياسية.

وهنا أقول لا أمل في حوار جدي ومشاركة سياسية ما لم يقم المتحاورون بترجمة المفاهيم السياسية، كالوطن والوطنية والأمة والدولة والسياسة بعيدا عن المحاصصة السياسية أو الطائفية بل تكون على أسس جديدة لا تتعارض مع الوطنية، وتسهم في إعادة بناء الوعي الاجتماعي، والوعي السياسي خصوصا، وفق مبادئ الحرية والاستقلال في مواجهة التبعية والانقياد للخارج، والديمقراطية في مواجهة الأنانية والشمولية.

ليعلم المتحاورون ليس الهدف من هذا الحوار هو المنافسة، وإنما هو طريقة للتربية والتعامل، والحوار ليس من أجل الحوار وإنما من أجل هدف محدد وواضح.

عندما يشارك الأطفال في مسابقة ما (وهذا حوار) فهم يقومون بإظهار معارفهم وما تعلموه، وفي كل مسابقة يريد الجميع الفوز والانتصار، وفي كل مسابقة يضعون أسئلة أصعب (أو أهداف أبعد) ولهذا كل طفل يقوم بالتحضير بشكل أفضل، أي أنه يجب معرفة الموضوع من قبل الأطراف المتسابقة بكل جوانبه وحيثياته، مع احترامي للجميع ليس خطأ لو اقتدينا بالأطفال، إذ لا يوجد شيء يسمى «معي حق» لكن يوجد شيء «لا أستطيع إثباته»، لأن الحوار هو جزء فقط من العام، ولأن الحوار شيء جيد وجوهره التحضير والمعرفة هذا ما عرفه الديمقراطيون والأطفال.

وهنا أقول ليشارك المتحاورون في التأثير على صنع القرار السياسي أو على الطريقة التي تحكم المجتمع من خلال فهم السلطة السياسية ودينامكيات الجماعة. وهذا يشمل الذين يشغلون مناصب صنع القرار في الحكومة، والناس الذين يبحثون عن هذه المواقف عن طريق الانتخابات أو التأجيج أو التملق.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2164 - الجمعة 08 أغسطس 2008م الموافق 05 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً