العدد 2164 - الجمعة 08 أغسطس 2008م الموافق 05 شعبان 1429هـ

«الجفير سيتي»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من بعد محاضرة عروبية وإسلامية جدا أقيمت في «الجفير سيتي!» ساقني قدر الجوع والتلهف الشديد إلى العزم على وجبة عشاء سائغة في منتصف الليل أقتنصها من أحد المطاعم أو المقاهي في هذه الضاحية المزدهرة، بدلا من إهدار الوقت في زحام وزكام المنامة أو «ضاحية السيف» وغيرها من أماكن مكتظة في عادتها!

وكأي مواطن بحريني وكأي مقيم وكأي سائح وجد معدته وجدول أعماله فارغا طرحت في بالي سؤالا روتينيا «أين سأذهب؟!». توغلت بسيارتي المنهكة من استبداد المسافات إلى داخل ذلك المسخ العمراني والحضاري والهندسي المكون لـ «الجفير سيتي»، فهنا ازدحام في الفنادق من فئة معينة وفي الأبراج السكنية والشقق الفخمة، والمقاهي ذات الأسماء والشعارات الرنانة والمطاعم العالمية الشهيرة. وعلى رغم ذلك الازدحام والتكالب العمراني والتجاري حد الهلوسة والهذيان في طقس مغبر يحمل آهات ونذر التصحر والإبادة البيئية البحرينية، فإنك تظل لمجرد نصف ساعة على الأقل وكأنك داخل كرة من المعدن الملتهب حبيسا في متاهة الطرقات العبثية والبنية التحتية الهزيلة السيئة، فتتلقفك أكثر من حفرة وشظايا «مطبات» أو ربما حفر «لقيطة» من ورائك ومن خلفك!

كما تغص عيناك باللافتات التحذيرية من أعمال الحفر والصيانة التي تزاحم لافتات الفنادق والمقاهي والمطاعم وغيرها من مرافق عامة، فما بالك بعتمة طاغية بسبب إنارة سيئة في طرقات تحسب أنها تقودك إلى قرية ريفية نائية أو داخل البر على الهامش الحضري والمديني، عوضا من أن تكون طرقات تشق في قلب الضاحية «الجفير سيتي» التي باتت أقرب إلى أن تكون «جفير جنغل» من «جفير سيتي»، فهي بامتياز ضاحية مسكونة بروح الغابة، أو غابة معمارية تبدو فيها الأبراج والمباني غير المتناسقة وسط العتمة أشبه ما تكون بتمظهرات البشاعة في لوحات الفنان العالمي فرانسيس غويا!

أما الطرقات العبثية في هذه الضاحية المتألقة فهي كأنما حلم سوريالي عصيّ على الفهم والتأويل أبدعته ريشة الفنان سلفادور دالي، فأنت لا تكاد أن تحدث فرقا بين «مطبة» وشارع أو حفرة جراء عوامل التعرية أو حفرة من عوامل الصيانة والحفر وبين طريق سالك وآخر غير سالك، والويل والثبور إن تبعتك جحافل من سيارات السياح والمواطنين الأغرار التي نصبتك من دون أن تدري أميرا للزحام، فإذا أنت حينها تناطح حائطا أو داخل «طبيلة» تحسبها موقفا عاما!

هذه الضاحية المزدهرة الصاخبة ذات البنية التحتية الهزيلة والموحشة حد الاكتئاب لا تقع ضمن نطاق «أحزمة المولوتوف والإطارات المحترقة» التي غالبا ما تحتضن أعمال التخريب والشغب المهددة للأمن والاستقرار، ولا تعتبر قرية نائية أو منطقة ملقاة على الهامش بعيدا عن أعين السياح والزوار والمستثمرين، فـ «الجفير سيتي» وهي الامتداد العصري العشوائي لقرية «الجفير» الأصيلة تحاذي العاصمة المنامة وأكبر جامع في البحرين وتضم عددا لا بأس به من المؤسسات والمراكز والمعاهد التعليمية إلى جانب صرح تاريخي ووطني شامخ مثل نادي العروبة، وباتت مقصدا ومسكنا للعديد من السياح والزوار الأجانب والمقيمين وربما قلة من المواطنين، كما يقطنها ويرتاد مرافقها في كل الأوقات والفصول والتحولات «ضيوف مهمون جدا» على البلاد من العاملين في القاعدة الأميركية والأسطول الخامس. وأذكر ما قاله لي ذات يوم صديق أميركي من شكوى من الطرقات وهزال البنية التحتية الأساسية في «الجفير سيتي»، وما اقترحه من ضرورة أن يتم استغلال هذه المدينة كمقصد سياحي فتضم مجمعا للسينما أو «مول تجاري» على غرار «مجمع السيف» أو «مجمع البحرين»، بالإضافة إلى حدائق ومتنزهات ومنتجعات مفتوحة للجميع، ولكن صاحبي لا يعلم أننا لا نجيد أن نعد موائدنا، أو أن نعد المائدة جيدا للضيوف ولو كانوا «الأحب» و «الأقرب» و «الأخف» على قلوبنا وأمزجتنا الاستراتيجية وثغور حياضنا!

بدت لي المطاعم والمقاهي والفنادق ليلتها بـ «الجفير سيتي» التي لا ولم تعرف إلا بالأشغال والحفر السرمدي وبلفائف العتمة وكأنما هي في حينها سمك ملون في نهر سيّال من الزحام والحطام والظلام، فخاب حينها مسعاي ورن في خاطري «عشاء في المعدة وعلى الطاولة خير من مئات الموائد الدسمة الجاثمة على حطام المواقف والطرقات»!

ولا أدري كم من مواطن أو مقيم أو سائح أيتمه فقد عشائه في»الجفير سيتي» يومها؟! ولا أدري كم من عاشق أخلّ بموعد غرامي مهما كانت شرعيته؟! ولا أدري من فاته إحراز مصالحه يومها؟! ألم يعد من المناسب أن يضيف البحرينيون والسياح الغارقون في مفرزات قائض التململ الصيفي سؤالا آخر هو «كيف سنذهب؟» إلى جوار «إلى أين سنذهب؟!»؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2164 - الجمعة 08 أغسطس 2008م الموافق 05 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً