بين الهجوم والهجوم المضاد يبرز إشكال العلاقة بين الفنان والصحافي، وانعدام الثقة بين الطرفين، وخصوصا مع النظرة الفوقية التي يتعامل فيها بعض الفنانين مع الصحافة، والطريقة التي تتعاطى فيها بعض الصحف مع الفنانين، حيث يتحوّل المديح في غالب الأحيان إلى «تلميع» و «تزييف»، والنقد إلى الشتيمة المغلفة بستار من التهذيب، فيما قد يتعدى البعض الشتيمة المهذبة ويحوّلها إلى «قذف».
وبما أن العلاقة هي المفروض علاقة تكامل، وبما أن التكامل لم يعد أساسا في علاقة أصبحت قائمة على الشد والجذب، برزت نوعية جديدة من الصحافيين هم أشبه ما يكون بموظفين لدى الفنان، يقومون بحملات مبرمجة من الهجوم كلما انتقد الفنان أو حورب. وإزاء هذا الواقع المكشوف، فقدت الصحافة الفنية الكثير من تألقها، وأصبح ينظر للصحافي الفني على أنه «مأجور»، إذ إن هناك عددا ليس بالكثير من الفنانين يعتقدون أن الصحافي ملزم بكتابة قصائد المديح له، وإن حدث وانتقد «عمله» مرة واحدة يصبح من ألد أعدائه، وأن من حقه سبه وشتمه. في المقابل، تجد فنانين يدركون أن الصحافة القائمة على المديح هي صحافة مزيفة، وأن النقد هو نوع من التوجيه أو مجرد إبداء رأي، بعيدا عن نظرية المؤامرة.
من خلال تجربتي المتواضعة في الصحافة الفنية التي لم تتجاوز السنوات الخمس، تعلمت ورأيت الكثير الكثير، فعلا فهناك من الفنانين (وهم أقلية) من ينظر إلينا نحن الصحافيين الفنيين على أننا «عبيد»، معتقدا أنهم يستطيعون أن يملوا علينا ما يريدون، ونحن مجبرون على نشره، بل قد تصل فيهم «الفوقية» إلى اتهامنا بالتآمر وأخذ الرشاوى في حال نشرنا انتقادا لأعمالهم، علما أننا وأنا أتحدث عن «الوسط» نتعامل مع الجميع في الوسط الفني بحيادية تامة، وليس لدينا أي تحفظ عن نشر انتقاد للأعمال طالما أنها لا تحتوي على قذف أو سب أو شتم فنحن «صحافة نظيفة».
من الأمور التي ربما تعلمتها من خلال تجربتي البسيطة في الصحافة الفنية أن «عقل المرء مدفون بلسانه»... وقد عشت أكثر من تجربة برهنت لي ذلك فعلا، فهناك فريق من الفنانين الذي منذ أن عرفته لم أجد في لسانه كلمة لطيفة سواء في حقنا نحن الصحافيين أو في حق زملائه في الوسط الفني، بل وجدته دائما متهكما وقاذفا بكلمات «بذيئة»... يتصل في أي وقت يشاء دون مراعاة للضوابط الاجتماعية، يتكلم بجمل غير مفهومة، ودائما ما يظهر نفسه بريئا ومسكينا ومظلوما وأنه «ولد البطه السوده»... المشكلة أن هذا الفريق به من الفنانين من هم مميزون ومبدعون، إلا أنهم ممن ينطبق عليهم المثل القائل: «لوما أنت يا لساني لما كان أحد آذاني»! فكيف نستطيع أن نتعامل معهم، تلك هي المشكلة، فنحن لا نستطيع أن نتحمّل سوء لسانه.
أما الفريق الآخر فهم أولئك الذين قد لا تعجبك أعمالهم، ولكنك تتعامل معهم باحترام وأدب لكونهم هم من بدأوك بحسن المعاملة، فإن نشرت خبرا يبرزهم شكروك، وإن انتقدتهم أبدوا تقبلهم لانتقادك ولكنهم يريدون نشر ردهم على هذه الانتقادات، وكل ذلك بكلمات مهذبة يتقطر الذوق منها.
إن لم تكن صحافيا، بل شخصا عاديا وقابلت شخصا من كلا الفريقين، فأيهما ستتقبل وستحب التعامل معه؟ «طويل اللسان» أم «حلو اللسان»؟
العدد 2164 - الجمعة 08 أغسطس 2008م الموافق 05 شعبان 1429هـ