العدد 2162 - الأربعاء 06 أغسطس 2008م الموافق 03 شعبان 1429هـ

الذات والحقيقة

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

قد يكون العثور على إنسان صادق من الامور الصعبة... ولكن التعرف عليه بمجرد رؤيته سهل للغاية... وقد تكون بداية التعامل هي إحدى الإشارات في صدق النوايا لتلك الشخصية...

والكثير من البشر يلبسون الأقنعة التي بها يريدون إظهار شخصية غير شخصيتهم الحقيقية...

وهم يتمسكون بالحيل المظهرية المصطنعة التي يخفون بها الواقع، وهذه الأقنعة تخفي وراءها الكثير من الزيف والكذب في المظاهر.

يعتقد البعض بوجوب اتخاذ سلوك معين يجب أن يتصنعوا به للسير في هذا العالم... وهو ما يفرضه عليهم ذلك الواقع أو المظهر... سواء في اللبس أو الشراء أو التفاعل في الأمور الحياتية... وتغير العادات الأسياسية، فالذات الإنسانية حساسة للغاية وإن تغيّرت حقيقة الواقع... وأن لممارسة نوع من الخداع أو التظاهر به له الكثير من التأثيرات السلبية التي يتلقاها ذلك المتظاهر ومن دون شعوره الوقتي بها... ولكن يصاحبها بعد ذلك عدم الرضا واختفاء السعادة مهما حصل عليه من نجاحات مادية أو صعود طبقي مزيف... لأن خداع الذات ليس سهلا كما يتصوره البعض... وحقيقة الإنسان تطغى دائما والذات الحقيقية هي الشخصية التي ولدنا بها لتكون بما فيها من نقاط ضعف أو قوة، أو مواهب وإحباطات وعادات صغيرة من حكمة جوهرية متأصلة... وقبل أن تطرأ عليها أية تغييرات من مآس وجراح وصدمات الحياة... ويكفينا أن نكون كما نحن في الواقع، والكف عن محاولة انتحال شخصيات أخرى ولبس الأقنعة!

الوعي بالذات هو أحد الفضائل السماوية التي تساهم في وجود شخصية سليمة ذكية ومتعافية...

ولكن بيدو أن مجتمعات اليوم بدأت تعارض مثل هذه الذات الصادقة، وبات تغليف الحقائق بنوع من الكذب وتسميته بالتنميق والتجميل للزيف هي الطريقة لدخول قلوب الكثيرين من أجل الوصول إلى المناصب العليا في الدولة أو حتى اجتماعيا كشخصيات عامة تجمل الكذب وتضيف إليه بعضا من البهارات الاصطناعية بكل فن ومهارة «لزوم الشغل».

فالكتابة والصدق فيها ونقد الأوضاع (مثلا) والكشف عن الأغلاط التي تمارس علنا لم يعد مطلوبا... وقد يبعد أو يعزل الكاتب لشجاعته وصدقه لأن في ذلك إيذاء لبعض المعلنين من الشركات أو المناصب الحساسة في الدولة... أو في أماكن العمل للرؤساء والمديرين.

وبات التغليف و التزييف والتسييس لكل شيء ضرورة ماسة لأي كاتب أو سياسي لدرجة أنني أعتقد أنها قد تصبح من العلوم المتطورة وتكتب فيها الكتب لتدريسها في المدارس والجامعات!

والشيء الغريب أن الصدق قد يعرض أصحابه للأذى وأن يكونوا مكشوفين عن غيرهم من المنمقين ممن أجادوا وبرعوا في المهنة...

ولكن ما لا يعرفونه هو أن تحدينا للغلط يضيف إلينا قوة وصلادة وأن فوائد الصدق تتغلب كثيرا على مخاطره...

والعجيب أنه يتم ترشيد الأطفال إلى الاقتداء بالطيبة والشجاعة والصراحة... وعدم الكذب... وبعد أن يكبروا يبدأ الآخرون والمقربون بمحاولة تعويدهم على عادات أخرى لزيادة مهاراتهم في سوق العمل؟!

فتتغير الصراحة إلى تملق وأنه لاضرر في الكذب أحيانا إذا كان سيجلب لنا بعضا من الرزق... وأن الشجاعة لم تعد مطلوبة وإحلال الصبر مكانها والتنازل إذا مالزم الأمر... ولا بأس من تحمل بعض الإذلال فذلك قد يقوينا ويزيد من بأسنا وأما الطيبة فتصبح غباء وعدم وجود.

خدمات من دون ثمن! و»البيزنس إزبيزنس» وباتت كلمة «الرزق... يحب الخفية» هي الأساس... فالصراحة غير مرغوب فيها وإمشي جنب الحيط لتسلم... والسكوت من ذهب... حينما نعيش حياة الزيف ويتسلل الملل والكآبة إلى القلوب... وتنتشر الأمراض النفسية... ويعم الغم في البلاد... كل ذلك لأننا خالفنا ذواتنا وقبلنا بشروط هذه الأيام... والإنصياع إليها.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 2162 - الأربعاء 06 أغسطس 2008م الموافق 03 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً