وزارة الصحة وزارة كثيرة المشاكل، ثقيلة الأعباء، ومقصوفة العمر. وزادتها أعباء وتيرة التجنيس والأعداد المهولة من العمال الأجانب التي تتدفق على البلاد دون توقف.
في العقود السابقة، كان الوزير يطيل في منصبه... أمّا الآن فأصبحت التدويرات حركة مألوفة، وخصوصا للوزارات التي تسبّب الكثير من وجع الرأس. لذلك شهدت الصحة في خمسة أعوام تغيير ثلاثة وزراء... لكل منهم حادثٌ وعثرةٌ وبيان.
الوزير الجديد الذي عيّن بمرسوم في 25 سبتمبر/ أيلول 2007 يُقال إنه من النوع الذي لا يحب المشاكل، ويترك الأمور المعقّدة لأصحابها ليحلوها بهدوء، وهذا ما يفسّر الهدوء النسبي الذي نعمت به الوزارة خلال الأشهر العشرة الماضية... حتى أثيرت قضية كادر التمريض.
الوزير الأسبق خليل حسن الذي لم يعمّر في الوزارة أكثر من ثمانية عشر شهرا اصطدم بواقع غير سويّ، مصالح وامتيازات تكرّست لسنوات، ولأنه كان يعلم خفايا الوزارة فقد اختار أسلوب «الصدمة» طريقا للعلاج. وهو أسلوبٌ مكلِفٌ، خرج بعدها من الوزارة سفيرا إلى اليابان، بينما تعزّز موقع خصومه الاستشاريين.
الوزيرة السابقة ندى حفاظ قضت في الوزارة 41 شهرا، ويقال إن اختيارها كان لرأب الصدع، فعملت على تجاوز تلك المرحلة بسياسة توافقية هدّأت غضبة المستشارين. حفاظ وهي من جيل حسن حاولت أن تترك بصمتها على الوزارة، وربما كان سيتحقّق أملها ذاك لو لم تتورّط مع البرلمان بسبب مشكلةٍ لم تخطر لها على بال! وسببها اتهام طبيبٍ بالسكر وقت أداء العمل. وهكذا تشكّلت لجنة تحقيق، وأصبحت قضية عصبية وكسر عظم.
النواب لا يريدون أن تمرّ هذه «الفضيحة» دون حساب، والوزيرة ترى أن الوزارة ليست دون بوّاب. وهكذا دفعت الوزيرة ثمن دفاعها عن أحد منتسبي وزارتها متهم بمخالفة القانون، ولو سار التحقيق بصورةٍ مهنيةٍ ودون تشنجات لما خرجت من الوزارة بهذه الصورة لتعود إلى مجلس الشورى من جديد.
وزير الصحة «الجديد» فيصل الحمر الحاصل على البكالوريوس في العلوم الصحية من جامعة الإسكندرية، والماجستير في تعليم المهن الصحية من جامعة ألينوي الأميركية، والدكتوراه في التخطيط الصحي من جامعة ليدز البريطانية قضى 32 عاما من حياته في العمل بالوزارة، وآخر منصب تقلّده عمادة كلية العلوم الصحية. وحتى وقت قريب كان من يتابع الوزارة من الخارج يخرج بانطباع أن فترة الهدوء ستطول... حتى جاءت قضية كادر الممرضين.
الغريب أن الوزراء الثلاثة هم من أبناء الوزارة، ومع ذلك لم تنفعهم هذه البنوّة، ولا أمّدتهم المؤهلات العلمية العالية ولا الخبرة الطويلة بطوق النجاة، فكلٌّ منهم اصطدم بجدار، أو تنتظره «كبوةٌ» لم تكن في الحسبان. حسن اصطدم بالمستشارين، وحفاظ اصطدمت بالنواب، والحمر يكاد يصطدم اليوم بالممرّضين.
السياسة التي اتخذتها الوزارة لم تكن مناسبة على الإطلاق، فالعاملون بسلك التمريض ينتظرون كادرا مجمّدا منذ خمس سنوات، وبعد أن فاض بهم الكيل حاولوا أن يلفتوا الأنظار إلى قضيتهم بلبس شارة برتقالية على صدورهم؛ لإيصال رسالةٍ مؤدّبةٍ جدا: «أطلقوا سراح كادر التمريض». وأكبر خطأ وقعت فيه الوزارة هو مقابلة هذه الخطوة الهادئة بالتهديد والوعيد، وتسجيل أسماء من علّقوا الشارة في كل نوبة عمل، ومنع خمسة ممرضين من برنامج البكالوريوس، والتحقيق مع رئيسة جمعية التمريض بناء على خبر صحافي مكذوب... كل ذلك في وزارةٍ كثيرة المشاكل، مقصوفة العمر، وثقيلة الأعباء.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2161 - الثلثاء 05 أغسطس 2008م الموافق 02 شعبان 1429هـ