العدد 2161 - الثلثاء 05 أغسطس 2008م الموافق 02 شعبان 1429هـ

الخطاب الفارغ!

عبدالله الملا abdulla.almulla [at] alwasatnews.com

منذ القدم، عانت أمة الإسلام من خطباء المنابر الذين يتلذذون بالتودد إلى السلاطين والرؤوس الكبيرة، فأعلنوا لهم الولاء جهارا وتزمتوا بمقولتهم كبارا، وتراهم في أحاديثهم الفارغة يجولون في موضوعات لا تنفع في شيء، والغريب أنهم حظوا على الدوام بجمهور كبير، وكان هذا الجمهور إما من المغرر بهم، أو أولئك الذين يبحثون عن قرب إلى هذا الخطيب لأنه قريب من السلطان!

لقد أثر هذا الخطاب على واقع الأمة، وصاغه في أكذوبة مرت على كثيرين، وظل الخطاب أحد الوسائل التي استخدمها الحكام في تلك الفترة للترويج لمشروعاتهم وتحسين صورتهم، وربما اكتسب هذه الأهمية من منطلقين؛ الأول على اعتباره وسيلة الاتصال الجماهيري الأكثر شيوعا وخصوصا لكونه اتصالا مباشرا من دون أي وسيط، وثاني هذه الأسباب قرب الخطباء من الجماهير وثقتهم فيهم على اعتبار أنهم يمثلون الجانب الديني المقدس لدى المسلمين.

ومن هنا، تتضح أهمية الخطاب الديني الموجه، فهو نوعان، خطاب فارغ يملأه الساسة أو المهيمنون على الساحة بكلام مغلوط في باطنه مقبول في ظاهره، والنوع الآخر خطاب موجه صادق... وشتان بين الأثر الذي يتركه الخطاب الفارغ والخطاب الحقيقي الذي كان سلاحا فعالا في دولة الإسلام إبان قوتها، وكان المسجد على الدوام منبرا فاعلا وموجها نحو الأهداف الحقيقية، على عكس ما نراه في بعض بقاع الصلاة التي تستغل لخلط الدين بالسياسة العمياء وقيادة جماعات نحو أهداف غريبة لا تمت إلى الدين بصلة لا من قريب ولا من بعيد.

وليس بغريب أن نقول إن بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي أثرت سلبا على فكرة الإسلام استغلت المساجد ومنابر الصلاة لغسل العقول، وكم سيكون هذا سهلا إذا استغل شخص له قيمته الدينية لتوصيل الأفكار وغسل الأدمغة، ولذلك فإنه من غير المستغرب أن تمسك الشرطة العراقية – مثلا - بمتطرف يدعي الإسلام كاد يفجر نفسه بين حشود من المصلين ويقول متأسفا: «كنت على وشك أن أتناول الغداء مع النبي (ص)»!

ولابد أن نمر ولو سريعا على المبادرة التي قادتها وزارة العدل والشئون الإسلامية منذ فترة طويلة لتحسين صورة الخطاب الديني الفاعل، ويتجلى ذلك في الندوات والفعاليات والمؤتمرات التي أقامتها الوزارة وجمعت خطباء الطائفتين الكريمتين على طاولة واحدة، في محاولة لتفعيل الخطاب الديني وتضمين مفاهيم الوحدة الوطنية والتقارب ونبذ الفرقة والطائفية، وكم نحن بحاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى أن نصل إلى التوافق بعيدا عن الفرقة والتفرقة التي لن ينتج عنها إلا مزيد من التعقيد والتأزم.

دعونا نبتعد عن الخطاب الديني الفارغ الذي ينكشف صاحبه المرائي، ودعونا نبتعد عن خطاب المجاملات وتزيين الحوادث، ودعونا نبتعد عن خطاب التضليل الإعلامي والتلاعب بالمفاهيم، ولو عدنا إلى التاريخ قليلا سنعرف أن الخطباء الفارغين لم يلبثوا إلا وانكشفت نواياهم... ودعونا نبعد خطباء الفتنة والتأجيج لأننا أحوج إلى خطيب يدعو إلى الوحدة بين جميع أبناء الوطن، فالمنبر ليس مكانا للنكت!

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"

العدد 2161 - الثلثاء 05 أغسطس 2008م الموافق 02 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً