لليوم الثاني على التوالي تفشل الكتل السياسية العراقية في الاتفاق على إعادة التصويت على قانون انتخابات مجالس المحافظات. وسبب الفشل يعود إلى عقدة انتخابات محافظة كركوك التي يسعى الاكراد لضمها الى اقليمهم فيما يسعى التركمان والعرب الى ابقائها ضمن الحضن العراقي.
وعلى مدى اليومين الماضيين كان الرئيس الأميركي جورج بوش حاضرا في أجواء الحوار، حيث أجرى اتصالين أحدهما مع رئيس اقليم كردستان وأحد قادة كتلة التحالف الكردستاني مسعود برزاني، والثاني مع نائب الرئيس العراقي وأحد قادة كتلة الائتلاف الشيعي عادل عبدالمهدي لحثهما على اقرار القانون وإجراء الانتخابات قبل مغادرته البيت الابيض. مثلما كان الرئيس الاميركي حاضرا في اجواء الحوار، كان السفير الاميركي رويان كروكر موجودا في تفاصيله، حيث حضر عدة اجتماعات عقدتها الكتل النيابية، وتدخل بحسب التقارير الواردة من بغداد بالترغيب مرة والتهديد مرات لتمرير القانون بأسرع ما يمكن.
ليست هذه المرة الأولى التي يخطئ فيها الأميركيون في التعامل مع القضايا العراقية ولاسيما الحساسة منها، فكركوك لا تهم العراقيين فقط بل تتعداهم الى دول المنطقة التي يرفض الجميع جهارا وسرا أن تكون المدينة من حصة مكوّن واحد من مكونات الشعب العراقي لاعتبارات مرتبطة بالتشكيل العرقي والطائفي لدول الشرق الاوسط.
هذا من الجانب الاقليمي، أما من الجانب المحلي فإن حساسية اتخاذ قرار خاطئ بشأن هذه القضية قد يدفع ثمنه سياسيون وكتل برلمانية. فبقدر ما يرى الاكراد - في حال رفض البرلمان السير في اتجاه ضم كركوك الى اقليم كردستان - ان قياداتهم خذلتهم، فإن قاعدة الائتلاف الموحد قد تنقلب على قياداتها إذا ما اتخذت الكتلة قرارا يفرط بمستقبل هذه المدينة، والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على كل الكتل الأخرى بغض النظر عن توجهاتها السياسية والقومية والطائفية.
إن ما حدث في 22 يوليو/ تموز الماضي من انقسام حاد داخل البرلمان العراقي باتجاه تشكل رأيين مختلفين بشأن مستقبل كركوك، والتصويت ضد خريطة طريق ضم المدينة إلى اقليم كردستان، بالاضافة الى فقدان سيطرة كتل السلطة على مجريات العملية البرلمانية، يعد مؤشرا مثيرا لمستقبل العملية السياسية برمتها ستظهر نتائجه في معظم القرارات الخلافية في المستقبل.
مستقبل كركوك قضية حساسة ولا يمكن ان تحل الا عبر التوافق المبني على إرادات كل الشارع العراقي، وعلى الأميركان أن يتعضوا من سني الاحتلال الماضية، فطوال السنين الخمس كانوا دائما قادرين على جمع كل الأطراف السياسية لإجراء الحوار فيما بينها، ولكنهم لم يستطيعوا أن يفرضوا التوافق الحقيقي بالقوة ولا مرة واحدة، وربما الـ 4132 جنديا أميركيا قتيلا منذ بداية الاحتلال حتى يوم أمس دليل على ما نقول.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2160 - الإثنين 04 أغسطس 2008م الموافق 01 شعبان 1429هـ