نسمع بين آونة وأخرى أن ثريا غربيا أو أميركيا تبرع بعدة ملايين من الدولارات لكلبه أو قطته، وأكبر مبلغ سمعته عن مثل هذا النوع من التبرعات هو تبرع سيدة أميركية بأكثر من مليار دولار لكلبها الحبيب وبنحو خمسة مليارات دولار لمجموعة كلاب أخرى!
بطبيعة الحال هذه السيدة أو سواها ممن يوصون لكلابهم بملايين الدولارات يعرفون أن هناك أناسا يموتون من الجوع في سائر أنحاء العالم، بل يعرفون أن في بلادهم فقراء يستحقون التبرع بهذه المبالغ ليسدوا بها بعض حاجاتهم الأساسية مثل المأكل والمشرب والمسكن، فلماذا لا يتبرعون لهم بهذه المبالغ أو بمعظمها على أقل تقدير؟ أليس البشر أهم من الحيوان؟
قد تكون الاجابة بـ «نعم» بالنسبة لي ولكثيرين، ولكن من يتبرع بأمواله للكلاب يرى أن أولئك الكلاب أفضل عنده من سائر البشر بكثير، وربما تاريخه مع الكلاب أفضل منه مع البشر...
لا أريد أن أستطرد كثيرا في هذه النقطة، لكنني أعرف أن الترابط الأسري في الغرب ضعيف ومثله في أميركا، وأعرف أن بعض الأبناء لا يزورون آبائهم إلا نادرا وربما ينقطعون تماما وهذا ما يفسر تعلق بعضهم بكلابهم أكثر من تعلقهم بأبنائهم، لأن الكلاب كانت أكثر وفاء لهم!
على أية حال مادام الإنسان في عرفهم حرا في أن يفعل بماله ما يشاء فلهم اعطاؤها للكلاب أو القطط أو لسواها من ذوات الأربع.
وللحيوانات في الفكر الإسلامي وفي الممارسات الدولية مكانة طيبة قد لا يعرفها الكثيرون، وكانت تحظى باهتمام الخلفاء والأدباء، قولا وعملا. فالإمام أبوبكر محمد بن خلف بن المرزبان البغدادي (المتوفى 309هـ) ألَّف كتابا أطلق عليه «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» وقد أورد فيه طرفا ونوادر تدل على فضل الكلاب على بعض أنواع البشر.
أما الاهتمام بالخيل والجمال فكتب الادب والتاريخ ممتلئة بالحديث عنهما حديثا تفصيليا يعكس مدى اهتمام العربي بهما. وأما صور الاهتمام بالحيوان عموما فنراها واضحة في تعليمات الحكام وآراء الفقهاء فكثير من الخلفاء وأمرائهم اتخذوا أوقافا ثابتة ينفق من ريعها على الحيوانات التي تكبر سنها وتعجز عن العمل، فقد جعلوا لها أماكن تعيش فيها يتوافر فيها كل شيء يحتاجه الحيوان حتى يتوفاه الله.
ويرى الفقهاء أنه لا يجوز تحميل الحيوان ما لا يطيق، كما لا يجوز أن يجمع بينها وبين حيوانات أخرى تؤذيها سواء كانت من جنسها أم من غيره، كما لا يجوز أخذ حليبها إذا كانت تحتاجه لأبنائها.
أشياء كثيرة تحدث عنها التاريخ والفقه كلها تصب في حقوق الحيوان باعتباره مخلوقا ذا روح له حقوق كما أن عليه واجبات.
جميل أن يعتني الغربيون بحيواناتهم - حتى وإن كان فيها الكثير من المبالغة - وجميل أيضا أن يهتم المسلمون - قديما - بالحيوان ويعطونه حقوقه، ولكن الاجمل من هذا كله العناية بحقوق الانسان!
حقوق الانسان قضية يدندن عليها الجميع في مشارق الأرض ومغابرها وكل يدعي وصلا بليلى، ولكن الواقع يقول: إن هذه «الليلى» لا تحصل على شيء من حقوقها التي يدعيها الجميع!
الناس يموتون جوعا في بعض بلاد إفريقيا، ولا يجدون الطعام أو الدواء أو التعليم، بينما يتشرف الجميع باهتمامهم بحقوق الانسان!
الفقر كاد أن يفتك بالملايين في طوال العالم وعرضه، والغلاء يزداد في كل مكان، والاموال مكدسة هنا وهناك، ومع هذا فالكل يتحدث عن حقوق الإنسان وأهمية تحقيقها!
الهواء الذي يستنشقه البشر أصبح ملوثا يهدد حياته بأخطر الأمراض وأكثرها فتكا، والتجارب التي تجريها بعض الدول تزيد من مخاطر البيئة على حياة الإنسان... ومع هذا كله فهذه الدول كلها تدعي أنها تقوم بكل واجباتها تجاه تحقيق حقوق الإنسان!
أن يفتح الإنسان فمه ويتحدث كما يريد فإنه سيجد صعوبة بالغة في تحقيق هذا النوع من الحرية، فالانسان العربي لا يستطيع أن يفتح فمه بحرية إلا عند طبيب الأسنان! لا يعني هذا أن الإنسان الغربي يستطيع أن يقول ما يشاء ولكن المسألة هنا: نسبة وتناسب!
ومع هذا فالكل يدعي أن حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع! لا بأس أن يعتني البشر والحكومات بكلابهم وكل حيواناتهم، ولكن أليس للبشر حقوق مماثلة على أقل تقدير؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2160 - الإثنين 04 أغسطس 2008م الموافق 01 شعبان 1429هـ