الاقتصاديون والباحثون الاجتماعيون يرددون منذ فترة طويلة، أن الطبقة الوسطى تتعرض للتآكل والانزياح، وهو كلام علمي بعيد تماما عن السياسة والتسييس!
هذا الكلام له ترجمته على الأرض... فمن يتساقط من تلك الطبقة يكون في انتظاره القاع. والقاع يعني تدهورا في المستوى المعيشي، وتراجع القدرة الشرائية، ومغادرة مرحلة الاكتفاء والغنى النسبي، إلى نمط صعب من الحياة.
من هنا نفهم تحركات بعض الشرائح والقطاعات، وفي مقدمتها المعلمون الذين قادت جمعيتهم الصيف الماضي حركة سلمية راقية للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية، وإقرار كادرهم الوظيفي. حينها وقف البعض ضد هذه الحركة وأخذ يشوش ويحرض بطريقة لئيمة ضد المعلمين، وطالب بحل الجمعية لأنها خرجت على القانون!
في السياق نفسه، نفهم ما تقوم به جمعية التمريض البحرينية من مطالبة بتحسين وضع منتسبيها، تحت شعار «أطلقوا كادر التمريض»، الذي تم حبسه في الأدراج منذ خمس سنوات.
قبل فترة استشهدت بالوضع الذي يمر به الأطباء في الفترة الأخيرة من اختلال في وضعهم المعيشي لعدة عوامل، آخرها موجة الغلاء، ما أعجز الكثيرين منهم عن شراء أرض أو بناء بيت، وهو أمر كان متاحا لهذه الشريحة في الأعوام السابقة.
الأطباء والمهندسون والمديرون والمعلمون والممرضون... ممن يمثلون لب الطبقة الوسطى، هم من الطبقة المتعلمة التي شغلت مناصبها بفضل ما تلقته من تعليم، وليس للواسطة أو المحسوبية أو الاعتبارات الأخرى التي نشأ على أطرافها وترعرع الفساد.
«جمعية التمريض» اختارت وضع شارة جميلة على صدر الممرضين والممرضات، أثناء تأدية واجبهم الوظيفي مع الحفاظ على ساعات العمل من دون تقصير. ودخلت إحدى الصحف المحلية للأسف على الخط، فنشرت خبرا عن تهديد رئيسة الجمعية بالإضراب، وهو ما نفته في اليوم التالي مباشرة. إلا أن الغريب أن وزارة الصحة تلقفته وبنت عليه خطواتها القادمة، فشكلت لجنة خاصة اعتمادا على ذلك الخبر المكذوب. بعدها دخلت وزارة التنمية الاجتماعية على الخط، وتبعها ديوان الخدمة المدنية، لتأخذ القضية مسارها نحو التصعيد.
ما يؤخذ على وزارة الصحة، من تسرع في اتخاذ قرار اعتمادا على خبر مكذوب، أعاد إلى الأذهان الإجراءات التي كانت سائدة أيام قانون «أمن الدولة»، من تهديد ووعيد، كانت تنتهي بقرارات الطرد من الوظيفة والمحاربة في الرزق.
الاجراءات حتى الآن تبدو أقرب إلى الخطوات الصبيانية، فهناك تسجيل لأسماء من يتجرأ على وضع الشارة البرتقالية على صدره، ورفع الأسماء إلى المسئولة عن القسم، ومنها قد ترفع إلى «أجهزة» و«جهات مجهولة» تتولى متابعة «المتمردين» والعصاة والخارجين على القانون!
هذه الممارسات العتيقة العطنة، والتي لا تنم عن حكمة، أشاعت جوا من الترهيب والتخويف في صفوف العاملين في قطاع التمريض، فانكفأ عددٌ منهم عن المشاركة في هذه الخطوة التي تهدف إلى تحقيق مصالحهم وتحسين معيشتهم والدفاع عن حقوقهم بطريقة قانونية وسلمية راقية.
قطاع التمريض يضم أكثر من ثلاثة آلاف ممرض وممرضة غالبيتهم مواطنون، فنحن لا نتكلم عن عشرات، وإنما عن قطاع حيوي يقوم عليه النظام الصحي. ومن حق هذا القطاع إطلاق سراح كادره بما يوفر بيئة جاذبة للعمل، ويحافظ على من تبقى فيه من المرابطين في هذا العمل الشاق، وعدم الإمعان في الخطوات التي لا تنم عن حكمة في القرار.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2160 - الإثنين 04 أغسطس 2008م الموافق 01 شعبان 1429هـ