ليس من المستبعد أن تشكل قضية إضراب المئات من العمالة الوافدة منعطفا مهما بالنسبة إلى ضمان حقوق العمال الأجانب في الكويت وربما في بقية دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تسبب إضراب نحو 5 آلاف من الآسيويين قبل نحو 10 أيام في شل الحركة في 12 جهة حكومية ومؤسسة أخرى في الكويت.
بدوره أقر وزير العدل الكويتي حسين الحريتي بأن الإضرابات والتظاهرات التي نفذها العمال الآسيويون جاءت نتيجة مخالفات تمثلت في تأخير صرف رواتب العمال وعدم توفير سكن مناسب لهم واستقطاع جزء من مرتباتهم تحت مسميات مختلفة فضلا عن سلبيات أخرى مثل زج عدد كبير من العمال في غرفة واحدة.
وقد طالب العمال بتحسين أوضاعهم بدءا بالأجور، مرورا بظروف العمل. بيد أن المطالب تركزت بشكل أساسي على تعديل الرواتب في ظل أزمة التضخم التي تعصف بالاقتصاد الكويتي. يحصل غالبية العاملين في قطاع النظافة على راتب شهري قدره 20 دينارا كويتيا (نحو 75 دولارا) والذي يعد مبلغا ضئيلا نسبيا بالنسبة إلى كلفة المعيشة في الكويت.
كلفة المعيشة
يعتبر التضخم (ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) من التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الكويتي. وتشير الإحصاءات المتوافرة إلى استمرار بقاء معدل الغلاء فوق نسبة 11 في المئة في شهر مايو/ أيار الماضي وذلك على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات.
بدورها تتخذ السلطات بين الحين والآخر إجراءات لمساعدة المواطنين في التكيف مع ظاهرة الغلاء. حديثا فقط قررت الحكومة وبالتعاون مع السلطة التشريعية منح زيادة قدرها 50 دينارا شهريا لكل مواطن يقل راتبه عن 1000 دينار. وتم منح الزيادة للمواطنين العاملين في القطاعين العام والخاص. يشار إلى أن 93 في المئة من الموطنين الكويتيون يعملون في القطاع العام المشهور بكرمه. بمعنى آخر، لا يحصل العمال الأجانب على بعض المساعدات الحكومية وخصوصا العينية منها. بكل تأكيد يستفيد العامل الأجنبي والزائر على حد سواء من السلع المدعومة من قبل الحكومة مثل المواد التموينية.
الاتجار بالبشر
سلطت أزمة الإضرابات العمالية الضوء على قضية الاتجار بالبشر في الكويت. وتتمثل هذه الظاهرة بقيام بعض المواطنين باستخدام نفوذهم لاستصدار تصاريح عمل للأجانب (شهادة عدم ممانعة) ومن ثم جلبهم إلى البلاد للعمل في وظائف غير محددة. وغالبا ما يتم زج هؤلاء في سوق العمل للحصول على أي وظيفة ممكنة مثل قطاع النظافة والذي لا يتطلب مهارات خاصة. المطلوب من العامل الأجنبي تأمين المبلغ لصاحب التأشيرة سواء بدفع مبلغ شهري أو فصلي. وعليه يعد العامل الأجنبي مصدر رزق للمتنفذ المحلي.
من ضمن الأمور المثيرة، يبدي العامل الأجنبي غير المتخصص استعدادا للقيام بأي وظيفة لقاء الحصول على بعض المال. فمثلا يدعي بأنه كهربائي لكنه في الواقع لا يعرف عن الأخطار المحدقة بهذه المهنة المتخصصة وربما تكون النتيجة مأسوية في نهاية المطاف. حقيقة القول، لا يمكن توجيه اللوم للأجنبي في هذه الحال نظرا لحاجته للمال لتأمين لقمة العيش لنفسه في الكويت فضلا عن توفير مبلغ لإرساله لمحبيه في الوطن الأم.
استغلال بالجملة
يعاني بعض العمال الأجانب الأمرَّين، إذ لا يحصل بعضهم على أجورهم في التواريخ المتفق عليها. فبعض أرباب العمل يتعمدون تأخير دفع الرواتب الأمر الذي فيه ظلم وإجحاف بحقوق العمال بغض النظر عن جنسياتهم. لكن يفوت على أرباب العمل أنهم يلحقون الضرر بأنفسهم في نهاية المطاف إذ لا يقف بعض العمال الأجانب مكتوفي الأيدي حيال هذا الواقع المر. يقوم البعض بأعمال انتقامية من الشركات التي يعملون لديها مثل السرقة والتحايل في أداء المهام المناط بهم وسوء معاملة الزبائن. تتجنب غالبية العمالة الوافدة الذهاب إلى الجهات المعنية لتقديم الشكاوى بشأن تأخير استلام الراتب خوفا من اكتشاف أخطاء في أوضاعهم القانونية.
كما أن هناك مشكلة العمل لساعات مطولة، إذ تلزم بعض المؤسسات عمالها العمل لساعات تمتد إلى نصف يوم كامل. في المقابل يدعي بعض أصحاب الأعمال بأنهم يدفعون للوقت الإضافي لكن في الغالب ليس بمقدور العمال الأجانب رفض الأوامر. كما أن بعض العمال لا يعرفون على وجه الدقة يوم العطلة الأسبوعية إذ إن الأمر متروك لصاحب العمل.
حد أدنى للراتب
بدورنا نؤكد ضرورة حصول العامل الأجنبي على الحد الأدنى من العيش الكريم أثناء فترة عمله وإقامته. بل إن الوازع الأخلاقي يحتم تمتع العامل الأجنبي بمستوى لائق من المعيشة وعدم ربط الأمر بالوضع المعيشي للبلدان التي ينتمي إليها هؤلاء. صحيح أن مبلغ 70 دولارا شهريا له قيمة شرائية مرتفعة نسبيا في بنغلاديش لكن الأمر ليس كذلك في الكويت وذلك بالنظر إلى تفاوت المستوى المعيشي بين البلدين. من البداهة قياس الدخل بمستوى المعيشة في البلد.
كما نرى صواب التوجه لوضع حد أدنى للراتب في القطاع الخاص قدره 40 دينارا كويتي (148 دولارا) تماما كما هو الحال بالنسبة إلى أجور العمالة المنزلية. يشار إلى أن غير المواطنين يحصلون على حد أدنى قدره 90 دينارا (333 دولارا) شهريا في القطاع العام في الكويت.
إضافة إلى ذلك، نؤيد خطوة السلطات الكويتية بالتعاون مع مجلس التشريعي في إصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين مراعيا لاتفاق الأمم المتحدة بمكافحة الجريمة المنظمة. وكان تقرير الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان للعام 2007 والذي نشر في شهر مارس/ آذار الماضي قد فصل حالات عن انتهاك لحقوق العمالة الوافدة. وقد تم تصنيف الكويت ضمن المجموعة الثانية أي الدول التي هي تحت المراقبة.
في المحصلة تقتضي المصلحة العامة وجود إجراءات وجزاءات رادعة ضد المتنفذين المحليين كي يتسنى تحقيق هدف حيوي يتمثل في إنهاء حالات الإساءة والاستغلال للعمالة الوافدة. وربما تنجح الخطوات برفع الكويت من تقرير وزارة الخارجية الأميركية بشان الاتجار بالبشر.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2160 - الإثنين 04 أغسطس 2008م الموافق 01 شعبان 1429هـ
ابي مهااااااااااااااااام السلطات العامه
بليييييييييييييييز الحين