العدد 2159 - الأحد 03 أغسطس 2008م الموافق 30 رجب 1429هـ

محور الاعتدال يتصدع... عناد ثم رفض ثم تعايش ثم قبول

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في علوم الحرب الحديثة تلام الآلة العسكرية الأميركية على أنها تفرط في استخدام الضربات الجوية وتجانب الاحتكاك البري. والهدف هو تقليل الخسائر في الأرواح. ومن له أدنى دراية بعلم المعارك أن هذا التكتيك لا يحسم حربا.

ومن له ذاكرة قصيرة الأمد أيضا يستطيع أن يحصد ما آلت إليه الأمور في أفغانستان والعراق، حين انهارت واجهتا الدولة وبقيت معاملها الداخلية تتحد من أجل الدفاع التقليدي وإيلام العدو بما لم تستطع القوة الجوية تحطيمه.

الغريب في الأمر أن هذا المسلك ينسحب على أداء الدبلوماسية الأميركية وإلى حد ما الأوروبية في تجارب مختلفة بالشرق الأوسط. ففي فلسطين لم يحظَ عراب أوسلو محمود عباس بأي دعم أميركي إلا في تغييب ياسر عرفات وتمهيد الطريق له للوصول إلى الرئاسة والتحكم بمصير المفاوضات.

وفي معركة غزة التي جرت بين حكومة إسماعيل هنية وبين قوى الرئاسة في الضفة الغربية خلال شهر يونيو/ حزيران من العام 2007 تُركَ محمود عباس يكابد الوضع من دون دعم أو غطاء أميركي، بل الأكثر أن الحوادث التي سبقت سيطرة حماس على القطاع كانت من المفترض أن تدفع واشنطن إلى أن تتدارك حالة الوهن التي أصابت جبهة حلفائها في الداخل الفلسطيني.

فاغتيال قائد قوة حفظ النظام في الشرطة التابعة للسلطة العقيد راجح أبولحية، واغتيال مستشار الرئيس العسكري اللواء موسى عرفات وهجوم كتائب القسام على قافلة إمداد حرس الرئاسة ومصادرة سبع مركبات عسكرية وقصف معسكر التدريب التابع لحرس الرئاسة ومهاجمة أكبر معسكرات قوات 17 كلها كانت رسائل تنمُّ عن ضعف سلطة حلفاء واشنطن في القطاع (راجع تقرير لجنة التحقيق التي شكلت للنظر في أحداث غزة).

بل إن الأميركيين ظلوا متفرجين على هذه الانكسارات الأمنية والسياسية في سلطة «أبومازن» ثم قبوله في نهاية المطاف بمبدأ الجلوس مع حركة حماس من دون شروط مسبقة. وهي رسالة باعتقادي كان عباس يريد لها أن تصل للأميركيين كما فعل وليد جنبلاط في لبنان، لكنها لم تصل ولم يتم التعامل معها بشكل جريء.

في لبنان كانت الظروف أسوأ من ذلك. فالقوى التي رمت بأوراقها في المربع الأميركي اكتشفت أن أسوأ الأمور أن تسمع من ديفيد وولش أنه لا يستطيع أن يعمل لها شيئا وهو يتابع معها مظاهرة ضخمة لقوى 8 آذار.

وخلال حرب يوليو/ تموز كان الدعم الأميركي يتلخص في «استمهال» الجيش الصهيوني وإعطائه الفرصة لتحقيق مكسب ميداني يقوي موقفه التفاوضي لاحقا. وبعد الحرب تبين أن المعادلة مختلة في الداخل اللبناني وعلى الحدود معا. فالتوازن ما بين القضم العسكري وإرباك أوضاع المعارضة في الداخل وصل إلى النتيجة ذاتها في الفشل.

وقد بدا أن القوى الحليفة لطهران ودمشق تتقدم سياسيا وشعبيا وبحركات سريعة والتفافية تُساندها دبلوماسية ذات تغطية جيدة وتمتاز بالحركة المباشرة والسريعة والميدانية القادرة على اقتناص المواقف، أمام سياسة أميركية سلحفائية غير مبادرة ومصابة بهوس التجارب السابقة.

بل الأكثر أن خطاب المعارضة في لبنان اليوم وخصوصا حزب الله والتيار الوطني الحر قد تقدم أكثر بإعلان ميشال عون أن سلاح حزب الله مرتبط بتسوية قضية اللاجئين في لبنان، ثم تصريحات حزب الله بأن سلاحه ليس مرتبطا بتحرير مزارع شبعا ومرتفعات كفر شوبا وإنما بضمان عدم وجود خروقات صهيونية للأجواء اللبنانية.

عند الفرنسيين كانت الأمور تسير أيضا نحو تذويب الجليد مع دمشق حين طلب وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير عبر السفارة الفرنسية في دمشق تحديد موعد للقاء نظيره السوري وليد المعلم على هامش مراسم الجلسة البرلمانية المخصصة لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان.

وعلى المستوى الأوروبي كان المعلم يتلقى اتصالين هاتفيين من مسئول الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ووزير الخارجية الإسباني ميغيل انخيل موراتينوس، ثم اتصال الملك خوان كارلوس بالرئيس بشار الأسد. وهي تحركات تبدو لافتة إذا ما وضعت في مسار القطيعة القائمة بين الغرب وسورية منذ العام 2005.

بالتأكيد فإن زيارة المسئول الفرنسي المختص بموضوع الاتحاد المتوسطي آلان لوروا لدمشق وتداعيات الاتحاد المتوسطي، ثم زيارة الأسد إلى فرنسا لحضور لقاء «برشلونة نحو اتحاد متوسطي» في 13 يوليو الماضي، والوساطة التركية لإطلاق جولة مفاوضات سورية صهيونية حول الجولان كلها جاءت لتحرج حلفاء الإدارة الأميركية في المنطقة بشكل قاهر.

وربما كانت الورقة التي أريد لها أن توظف هي اختلاف المصالح بين قطبي الممانعة (سورية وإيران) بعد فتح قناة اتصال صهيونية - سورية عبر البوابة التركية، إلا أن السوريين بادروا مباشرة إلى تبديد هذه المخاوف حين أوفدت وزير دفاعها حسن توركماني لزيارة طهران بشكل متزامن مع تسريب خبر المفاوضات.

من جانبهم، فإن الإيرانيين لم يتأخروا في إعلان موقفهم من المفاوضات حين أكد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقى «دعم الجمهورية الإسلامية لحق سورية في استعادة الجولان العربي السوري المحتل، وأن الكيان الصهيوني ليس في موقع يمكِّنه من فرض شروطه للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان».

وهو الموقف ذاته الذي أعلنته المنظمات الفلسطينية في دمشق وعلى رأسها حركة حماس حين قال رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل: «إن سورية تسعى جاهدة إلى استعادة الجولان، وإن حماس مع عودة الجولان وكل الأراضي العربية المحتلة من العدو الصهيوني».

وربما تبادل السوريون والإيرانيون المواقف الراديكالية تجاه الصراع في الشرق الأوسط حين زار مشعل طهران بعد أيام على إعلان عملية التفاوض السورية - الصهيونية وأعلن من هناك إنذاره لبعض الدول العربية والغربية من أن «حماس وقوى المقاومة ستعاود كسر الحصار المفروض على قطاع غزة ما لم تقم هذه الدول بتحرك جدي لفك الحصار عن الفلسطينيين، ونحن مصرون على حقنا في المقاومة وفي ردع العدوان الصهيوني، وسنستمر بالمقاومة طالما هناك احتلال وعدوان».

الإيرانيون كجبهة متقدمة في هذا الحلف أدركوا ومنذ تقرير بيكر - هاملتون الصادر في ديسمبر/ كانون الأول العام 2006 أن الولايات المتحدة دولة قوية، لكنها ضعيفة في المنطقة. وبالتالي فإنه لا حرب أميركية ضدهم، لأن واشنطن بدأت بعناد ثم رفض ثم تعايش ثم قبول وهو أيضا حال حلفائهم.

لذلك فلا غرابة أن تسير العربة الإيرانية بكل اطمئنان وكأن القادة السياسيين في طهران يمسكون بعصا الساحر أو بغيب السماء، فهم دفعوا الأمور إلى أقصاها من دون هوادة، ويبدو أن هذه السياسة لم تكن غير موافقة أميركية على الجلوس معهم في العراق وفي مفاوضات نووية قبل أن يوقفوا عمليات التخصيب التي كانت محرمة في السابق من وجهة النظر الأميركية.

على أية حال، فإن الأوضاع في الشرق الأوسط تبدو منبسطة بشكل أساس على نظام المصالح وهو طبيعة سياسية كلاسيكية، إلا أن الوصول إلى ذلك الانبساط وكسب النقاط لا يأتي إلا بممارسة السياسة من خلال أوراق الضغط وليِّ الأذرع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2159 - الأحد 03 أغسطس 2008م الموافق 30 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً