العدد 2159 - الأحد 03 أغسطس 2008م الموافق 30 رجب 1429هـ

ليس مجرد نقاش آخر بين الأديان

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

اجتمع الشهر الماضي جمع متنوع مذهل من الأمراء العرب ورجال الدين المسلمين مع ممثلين من الأديان الرئيسية في العالم في قصر إلبرادو الملكي الإسباني في مدريد. وفي الوقت الذي فشل فيه الإعلام الغربي عموما في تقدير الحجم الحقيقي للحدث، فَهِم الإعلام العربي بحق مدى أهميته.

لم يكن ذلك أول مؤتمر دولي متعدد الأديان يبادر به زعيم دولة عربية مسلمة فحسب، بل إنه افتُتِح من قِبَل ملك دولة من قلب العالم الإسلامي، هي المملكة العربية السعودية، اذ تنتشر أكثر وجهات النظر الإسلامية محافظة وتشددا.

أكد جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الجلسة الافتتاحية قناعته بأن الدين الحقيقي يتم التعبير عنه بروح من الاعتدال والتسامح، وبأن التفاهم والانسجام يجب أن يسودا فوق النزاع. وحتى يتسنى مخاطبة تحديات العصر، نادى جلالته بالتنسيق والتعاون بين الأديان المختلفة.

أعطى هذا الضوء الأخضر لحوار الأديان وتعاونها البداية أمام الفضوليين الحذرين. وكعضو في الوفد اليهودي المكون من 15 حاخاما وعالما دينيا، بدا علينا التأثر بهذا «الإذن».

قابلنا رجال الإعلام العرب بشكل لم يتوقف، وقامت شخصيات عربية بارزة بالتوجه نحونا، وبعضهم لم يقابل يهوديا من قبل، دعك من مقابلة حاخاما. أشعلت المواجهة شعلة إنسانية بدأت تحرق صورة شيطانيّة الآخر. لأجل هذا وحده يستحق الأمر الحضور.

وكما هو الحال عادة في المؤتمرات، وفّرت الحوارات خارج المجريات الرسمية للمؤتمر فرصة أعظم بكثير لتبادل له معانيه، وخصوصا أثناء وجبات الطعام. ويجب أن أشير هنا إلى أن المنظّمين المسلمين طلبوا بشكل خاص طعاما معدا على الطريقة اليهودية الدينية للمشاركين اليهود، وهذه شهادة على الاحترام والتقدير الذي أظهره مضيفونا تجاهنا.

أثناء تناول إحدى وجبات الطعام حاول محاورونا السعوديون جهدهم للتأكيد شجاعة الملك البالغ من العمر 85 عاما. قال أحدهم إن رغبة الملك عبدالله لم تكن فقط أن تلعب السعودية دورا أكثر مشاركة في العالم ومع الأديان العالمية وإنما أن تفتح المملكة العربية السعودية نفسها للعالم.

أُعطِيَت عصبة العالم الإسلامي، التي تعكس عقيدة محافظة جدا، مسئولية تنظيم المؤتمر حتى يكون للحدث «غطاء» دينيا مهما. في الوقت نفسه كان من الواضح بصورة جليّة أن العصبة كانت تمخر عباب بحر لا خرائط له. كانت الإعدادات وقوائم المدعوين والدعوات والبرنامج نفسه تنمّ جميعها عن فقدان معرفة بمجال العلاقات بين الأديان، وبالنسبة لجاليات دينية محددة بالذات. إلا أن ذلك أيضا أبرز الجدّة الاستثنائية، وبالتالي أهمية قرار الملك عبدالله في رعاية هذا الحدث.

وعلى رغم أنني دعيت ليس كإسرائيلي وإنما كزعيم يهودي في مجالات العلاقات بين الأديان، فإن حقيقة كوني مواطن إسرائيلي تناقلتها وسائل الإعلام بإثارة واضحة. كانت هناك لحظات من العاطفة المتأججة أثناء مجريات المؤتمر التي وضعت برامجها بشكل منظّم مرسوم جيدا. وقد جاءت تلك اللحظات في خلفية طرح لم يكن بالإمكان تجنبه عبّر عنه مشارك في الجلسة المشتركة النهائية: على رغم أن الحوار مع اليهود مسموح به (بل وربما يكون مرغوب به) بحسب قوله، فإن الحوار مع «إسرائيل» غير ذلك. طلب المشارك مني أن أرد على تعليقه.

أجبت أن الحوار الصادق الحقيقي ليس هو الحوار الذي يحدد فيه طرف ما شخصية الطرف الآخر، وإنما يسعى بصدق لأن يفهم الآخرين كما يرون أنفسهم. طالما كانت اليهودية مرتبطة بشكل لا يمكن الخلاص منه مع أرض «إسرائيل». وفي الوقت الذي يجب فيه ألا يستخدم ذلك لتبرير أعمال أو سياسات تتعارض مع الأسس الأخلاقية للدين اليهودي، فإن محاولة إنكار أو فصم عرى هذا الرابط يشكل فشلا في الاعتراف بالأسلوب الذي يعرّف معظم اليهود أنفسهم، ناهيك عن احترامه. إضافة إلى ذلك، وبسبب مركزية أرض «إسرائيل» في الحياة اليهودية، وفي غياب تمثيل ديني إسرائيلي، لا يمكن لأي ادعاء بحوار كامل وحقيقي أن تكون له مصداقية في يوم من الأيام.

وعلى رغم أن البعض تفاعلوا بشكل سلبي، مدعين أن الحوار الحانق أصبح الآن سياسيا، فإنه لم تكن هناك ردود بنّاءة من طرف المسلمين تؤكد أنه من خلال امتداد هذا المبدأ، يحتاج اليهود لأن يقدروا ما تعنيه القدس للمسلمين، إضافة إلى التضامن الإسلامي مع أخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين.

وقد يكون أكثر ما يثير الانتباه الروح التي تنم عن الاحترام والتي جرى الحوار في ضمنها. وقد أشار كثيرون إلى أن الأمر شكل في الواقع نوعا من تخفيف الاحتقان. أوجد غياب أي ذِكْر للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني الشعور بوجود فيل في القاعة. وساعدت فرصة الإشارة إليه في مضمون الحوار المحترم على تنقية الجو.

وفي الوقت الذي كان فيه البيان الختامي بيانا تقيّا متوقعا لكل ما هو جيد، إلا أنه يعكس النية السعودية المعبّر عنها بالاستمرار في هذه العملية التي تمت مباشرتها. ويجب عدم التقليل من أهمية ذلك، فقد اتخذت أعلى سلطة في قلب العالم الإسلامي زمام المبادرة في التواصل بين الأديان وبنيّة مصرح بها هي مخاطبة التحديات المعاصرة وحل النزاع. أعتقد أننا سوفننظر إلى الوراء إلى الاجتماع الذي عُقِد في 16 يوليو/ تموز 2008 في مدريد على أنه تطور غاية في الأهمية لكل من الشرق الأوسط والعالم على اتساعه.

*المدير الدولي لشئون العلاقات عبر الأديان للجنة الأميركية اليهودية ومستشار رئاسة الحاخامات في «إسرائيل» في مجال العلاقات عبر الأديان، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2159 - الأحد 03 أغسطس 2008م الموافق 30 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً