يقال إن العراق ورث من الدولة العثمانية معظم مشكلاتها الحدودية مع إيران، ابتداء من الخليج الذي أطلق عليه العثمانيون «خليج البصرة» وضفتي شط العرب والأحواز وإمارة بني كعب وغيرها من الحدود المشتركة التي كان يتبادل العثمانيون والإيرانيون السيطرة عليها قبل تشكل الدول الحديثة بحدودها الحالية وتأسيس دولة العراق مطلع القرن العشرين.
وإذا ما عدنا إلى الوثائق التاريخية فإن الدولة التركية عند تأسيسها على بقايا الامبراطورية العثمانية كانت تطمح إلى الاحتفاظ بالعراق أو ما كان يطلق عليه العثمانيون «ولايات الموصل وبغداد والبصرة» ضمن أراضيها باعتبارها تمثل عمق الجنوب التركي تجاه الخليج.
الدولة العثمانية «السنية» انتهت وظلت إيران «الشيعية» والعراق يتقاسمان مشكلات ما مضى على مدى قرن لينتهي بحال الأخير محتلا يبحث عن شركاء يساعدونه على الخروج من محنته الحالية.
إذا أردنا الحديث عن مشكلات العراق مع جيرانه نجد أن بغداد اختزلت مشكلاتها مع طهران إلى قضية اقتسام شط العرب وبعض الحقول النفطية المشتركة لينتهي معها الحديث عن المناطق الأخرى التي صارت من الماضي غير المذكور، فيما اكتفت تركيا بقضية الأكراد التي تحوّلت الآن أكثر من أي وقت مضى إلى جزء مهم من القضية القومية، وهي القضية الأساسية التي طالما تدفع الساسة الأتراك إلى الاهتمام بالعراق والعمل على الحفاظ على وحدته باعتبار أن تهديد هذه الوحدة سيمثل تهديدا لدولة تركيا، وهو هدف اشتركت فيه أنقرة وواشنطن التي تشعر أن عراقا ضعيفا وممزقا سيمثل تهديدا لأميركا ومصالحها في المنطقة.
منذ شروع واشنطن في احتلال العراق لم تكن تركيا مهتمة بنجاح المهمة الأميركية، ولكنها تنظر الآن بعين الخطر إلى فشل هذه المهمة المهددة باحتمال انسحاب أميركي سريع من العراق يعقب انتخابات الرئاسة الأميركية.
لقد كان لزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في شهر يوليو/ تموز الماضي لبغداد وتأسيس مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين يصب في تأكيد القلق التركي واستعداده للعب دور مهم بعد الانسحاب الأميركي من العراق.
تركيا قد تبدو بعد الاتفاق الاستراتيجي أقرب إلى لعب دور محوري لن يقل شأنا عن الدور الأميركي ما بعد الانسحاب، فتركيا التي تعرف جيدا أنها طرف مقبول من معظم الأنظمة في المنطقة قادرة على أن تكون عاملا للحفاظ على العراق أكثر حتى من الدور الإيراني الذي مازال يمثل زاوية الخلاف بين بغداد ومعظم الدول العربية.
تركيا وجدت نفسها مقحمة وسط فشل أميركي متوقع، وهي تقترب من مشكلات المنطقة ولكن هذه المرة عبر الطريق نفسه الذي رسمه السلطان سليمان القانوني قبل أكثر من خمسة قرون.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ