منذ أسابيع... والاقتتال بين الفلسطينيين يتصدر الأخبار الواردة من فلسطين «المحررة» أو في طريقها قريبا للتحرر والاستقلال!
الشعب الفلسطيني المنكوب منذ ستين عاما في أرضه... أصبح اليوم منكوبا في قياداته وحركاته ومؤسساته وصفوفه التي انشقت بين فسطاطين متقاتلين: «فتح» و «حماس».
«فتح» تحكم الضفة الغربية، وتتولى ملاحقة واعتقال وتعذيب أنصار عدوتها «حماس» في سجونها، و «حماس» بالمقابل تحكم قطاع غزة وتتولى ملاحقة واعتقال وتعذيب أنصار عدوتها «فتح» في سجونها... حذو القذة بالقذة!
كل فصيل مجاهد أو كان مجاهدا... لديه خزانة من أسلحة التخوين للآخر وتقديس الذات: أنصار فتح يسبُّون «الحمساويين» ويدعون عليهم بالموت والهلاك، فهم أتباع المحور الإيراني - السوري، وأبناء الخميني الجدد، وهم أعداء السلف والخلف... وبالمقابل، أنصار حماس يسبون «الفتحاويين» ويدعون عليهم بالسحق والزوال، فهم عملاء الأميركان وحلفاء الاسرائيليين، والمتواطئون مع محور الرجعية العربية، ضد قضية العرب والمسلمين الأولى.
مشاهد الاشتباكات بين الإخوة الأعداء تتصدر الفضائيات، والاعتقالات والاعتقالات الثأرية المضادة تتصدر أخبار الإذاعات. وكل متحدث باسم فصيل «مجاهد»، يذهب بعيدا في إسقاط وإلغاء الطرف الآخر من الوجود... متسلحا بلغة حزبية ضيقة في هذه الحرب العمياء.
ومع ارتفاع حدة الانفعالات، تنزل لغة الخطاب وتنحط حتى تصبح نوعا من الجنون في الشارع والمنتديات المناصرة. خطابٌ متشنج: «لازم يا حماس أن تبيدي هذه الزمرة الخائنة، الرحمة لا تنفع معهم أبدا. لا تبقي يا حماس في غزة فتحاويا واحدا»، يقابله خطاب متشنجٌ مثله: «الفقر والضياع والحصار والفتن تفتك بأبناء غزة كلها بسبب سياسة حماس في قهر المسلمين. حماس هي عدوة الاسلام وفلسطين»!
منذ أشهر... كان عباس يحتضن «صديقه العزيز» رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، الذي لم يجد إسرائيليا واحدا مستعدا لاحتضانه حتى من أعضاء حزبه المقربين، ويبادله القبلات أمام مصوري التلفزيون، بينما كان يرفض مصافحة عدوه اللدود إسماعيل هنية. عباس مستعد لتصديق والثقة بأولمرت المرتشي والفاشل الكذاب... وليس مستعدا لسماع كلمة من عدوه محمود الزهار!
القضية الفلسطينية كانت تستقطب قلوب ملايين الأحرار من مختلف جهات العالم، باعتبارها رمزا لأكبر قضية ظلم نزل بشعب في القرن العشرين، تزامنا مع صعود موجة حركات التحرر الوطني في منتصف الخمسينيات. يومها شارك في معسكراتها ومخيماتها آلاف المتطوعين الشباب، عربا وأجانب، عمالا وطلابا وكوادر مؤهلة، إيمانا منهم بعدالة هذه القضية... ترى ماذا تبقى منها اليوم؟
صباح يوم الجمعة... كانت زوجة أحد قياديي فتح بالقطاع تتلمظ بـ «فضح» مداهمة شرطة حماس منزلها، الساعة الثانية وخمس وأربعين دقيقة فجرا، واقتياد زوجها الستيني المريض إلى المعتقل. وصباح أمس (السبت) كان المتحدث باسم حماس يتلمظ بـ «فضح» عائلة حلس، الموالية لحركة فتح لقتلها ضابطا وإصابتها ثلاثة آخرين وعشرة مدنيين بأعيرة نارية وقذائف مورتر، أثناء حملة «حماسية» لاعتقال أعضاء من العائلة التي تعتقد الحركة بأنها تؤوي قاتل طفلة فلسطينية وخمسة من أعضاء حماس، جرى تفجير سيارتهم على الشاطئ، وهي شرارة «الانتفاضة» الجديدة!
قتلٌ واعتقالات، وإغلاق مؤسسات، وتعذيبٌ ومداهمات، ما دفع بمنظمات حقوق الانسان إلى الاحتجاج على اعتقال مئات الفلسطينيين في معتقلات الحركتين المجاهدتين!
بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى... ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون مصلحتهم ومصلحة وطنهم المحتل.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ