العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ

لبنان... وسيناريو الحرب الإسرائيلية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عادت المخاوف من احتمال أقدام تل أبيب على توجيه ضربة عسكرية للبنان بالارتفاع بعد هدوء قلق سيطر على الجبهتين منذ توقف العدوان في صيف 2006. فالمخاوف مشروعة حتى لو كانت هناك مبالغات في تقدير حجم الضربة وتداعياتها الأهلية والإقليمية. واحتمال تجدد العدوان ليس أمرا غير وارد على الإطلاق في اعتبار أن مجلس الأمن لم يبادر حتى الآن إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار. وبما أن القرار الدولي 1701 أكتفى بالنص على وقف العمليات الحربية فقط فمعنى ذلك أن احتمال تجدد المواجهة ليس مستبعدا في ظل مناخات دولية وإقليمية تؤشر إلى إمكانات حصول ضربة سريعة ومؤذية في آن.

لبنان منذ العام 2006 تحول إلى ساحة مفتوحة ومكشوفة بعد أن تعرض لعدوان مدمر بهدف استخدامه «ورقة» للتفاوض أو لتحسين شروط التفاهمات والصفقات التي بدأ الحديث عنها يتوضح من وراء الكواليس. وهذا الانكشاف الذي أضعف الدولة وبعثر الكيان إلى مناطق تتجاذبها الطوائف والمذاهب يشكل فرصة سياسية لحكومة تل أبيب للثأر والانتقام بعد «البهدلة» التي تلقتها في صيف 2006.

هل الفرصة مؤاتية لتسديد ضربة في سياق فوضى تشهدها حكومة إيهود أولمرت؟ الجواب ممكن إذا تمت قراءة الاحتمال العسكري خارج دائرة الدولة العبرية. فالظروف الدولية والإقليمية والفلسطينية تعطي فرصة لرئيس الحكومة أولمرت بالتحرك على رغم خيبته وفشله وتقصيره واتهامه بالرشوة والخداع والكذب. وكل هذه المعطيات السلبية قد تشكل مجتمعة ذاك الحافز الشخصي للإقدام على مغامرة تنقذ ما تبقى من رصيده في وقت قرر الانسحاب من الحياة السياسية خلال فترة تزيد على 40 يوما.

إلا أن مسألة العودة إلى السيناريو العسكري لا تتوقف على قناعات أولمرت وظروفه الشخصية وإنما ترتكز على مجموعة معطيات أخذت تتبلور شروطها الدولية والإقليمية والمحلية في الأسابيع الأخيرة.

دوليا تبدو تل أبيب غير مرتاحة للسياسة الأميركية التي أعتمدتها إدارة جورج بوش مع الملف النووي الإيراني. والزيارات التي قامت بها الوفود الإسرائيلية إلى واشنطن عادت خائبة من احتمال حصول مواجهة عسكرية مع إيران. وهناك الكثير من الكلام الإسرائيلي الذي يعكس درجة عالية من الإحباط من دون أن يصل الأمر إلى درجة الاختلاف أو انقطاع التنسيق بين الطرفين. فالأختلاف في تقدير الموقف يعكس قراءات متباينة في وجهات النظر. والاختلاف في وجهات النظر ليس افتراقا وإنما يفترض ضمنا إعادة ضبط التنسيق في إطار يلبي مصالح كل طرف. وهذا يعني أن أميركا ضد الحرب على إيران وترفض انفراد «إسرائيل» بتوجيه ضربة من دون موافقتها ولكنها ليست ضد تعويض حكومة تل أبيب بحقها في الرد على الساحة اللبنانية إذا وجدت تلك الأسباب التي تبرر تحركها العسكري.

هذا الجانب كشفت عنه الكثير من التصريحات والتقارير والتسريبات الإسرائيلية التي أخذت تبالغ في استعدادات حزب الله ونمو قدراته العسكرية الصاروخية (مضادات جوية) والقتالية. وأرفقت تلك المعلومات الاستخباراتية بمجموعة مواقف سياسية حادة ضد الدولة في لبنان التي اتهمت رسميا بأنها تنسق مع المقاومة وتساعدها على تهريب الأسلحة ونقلها وتجميعها. والهجوم على الدولة يعني سياسيا أن تل أبيب إذا أتخذت قرار الحرب فإنها ستركز ضرباتها على المؤسسات الرسمية والبنى التحتية ومواقع الجيش في اعتبار أن لبنان هو شريك في العداء وشعبه يشكل ذاك الحصن المنيع أو على الأقل ذاك الملاذ الآمن للمقاومة.

الكلام الإسرائيلي ضد دولة الممانعة الوحيدة في المنطقة ليس للتسلية أو قيل عبثا وإنما هو خطوة سياسية تستهدف تحضير الرأي العام لمواجهة محتملة أخذت المعطيات الدولية والإقليمية تتجمع لتبرير شرعيتها القانونية. والكلام ضد الدولة اللبنانية يمكن عطفه على مجموعة متغيرات أخذت تعمل لمصلحة «إسرائيل» في الآونة الأخيرة. الجانب الفلسطيني مهمش ولا دليل على وجود احتمال بتقدم المفاوضات مع الرئيس محمود عباس. كذلك ساهم توقيع «اتفاق التهدئة» مع «حماس» إلى كسب هدنة مؤقتة أدت إلى تحييد قطاع غزة ونقله من ساحة ممانعة إلى مواجهات داخلية (اقتتال الأخوة) وأعطى صلاحية لحكومة إسماعيل هنية بلعب دور السلطة ضد المقاومة.

انتقال «حماس» من موقع المقاومة وإطلاق الصواريخ إلى موقع السلطة (حرس حدود) وملاحقة المقاومة والفصائل التي تطلق الصواريخ شكل ضمانة سياسية لتل أبيب في أعتبار أن الجبهة الجنوبية باتت مقفلة عسكريا ومحصنة دبلوماسيا باتفاق تهدئة.

سورية وإيران

الجانب الفلسطيني المنقسم على نفسه والمنشغل في صراعاته الداخلية أعطى قوة إضافية لتل أبيب برفع درجة حرارة السيناريو العسكري. كذلك التفاوض السوري - الإسرائيلي برعاية تركية الذي يقال إنه بلغ مرحلة متقدمة من التفاهم في الجولة الرابعة ويحتاج إلى جولتين إضافيتين (خامسة وسادسة) لترسيم ألوانه وخطوطه بهدف تجميد الجبهة السورية. والتفاوض السوري - الإسرائيلي الذي أعلن عنه رسميا بعد تلك الغارة التي أستهدفت ذاك المبنى المجهول في شمال سورية شكل خطوة إيجابية لمصحلة تل أبيب لأنه عطل المسار الفلسطيني من جهة وقلل من احتمالات التدخل السوري في حال فتحت النار على لبنان من جهة أخرى.

إلى الجانبين الفلسطيني المنقسم والسوري المفاوض هناك الجانب الإيراني الذي دخل في طور متقدم من التفاوض مع الولايات المتحدة تحت السقف الأوروبي والرقابة الدولية. فالتفاوض الأميركي - الإيراني قلل من إمكانات اللجؤ إلى الخيار العسكري وعطل على «إسرائيل» احتمال استخدام الملف النووي ذريعة لإعلان الحرب إلا أنه ساهم في تعديل الزوايا وخفف من فرضية التدخل الإيراني لمساعدة حزب الله في حال قررت تل أبيب توجيه ضربة.

هذه المعطيات الأميركية والفلسطينية والسورية والإيرانية على تنوعها واختلافها شكلت في مجموعها عناصر قوة لحكومة تل أبيب التي تمر الآن في حال من الاضطراب والفوضى وتحتاج إلى ضربة ترفع من معنوياتها وتقطع الطريق على انهيارها السريع. فالدولة العبرية ترى أن لبنان يمر في «عزلة» دولية وحصار إقليمي وساحته مفتوحة ومكشوفة ولا يتمتع الآن بتلك المظلة التقليدية التي كانت تساعده على الصمود وتحمّل الدمار الناتج عن الاعتداءات.

إيران مثلا مشغولة بملفها النووي وتمر في حالات من القلق على نظامها وأمنها وهي تتخوف من انزلاقها نحو خط أحمر يقوض دولتها وتوازنها لذلك تراهن على نجاح التفاوض حتى تضمن دورها الإقليمي تحت مظلة دولية. وسورية أيضا منخرطة في مفاوضات مع «إسرائيل» تتناول مجموعة ملفات من بينها لبنان الذي يشكل مساحة لتقاسم النفوذ الثنائي كما كان أمره قبل العام 2000. ولبنان الذي تتهمه «إسرائيل» بأنه يعرض أمنها للخطر كذلك تتهمه سورية بأنه يشكل ذاك الممر الدولي الذي يعرض أمنها للخطر، يمثل الآن للطرفين المتضررين منه نقطة تقاطع ثنائية يمكن التفاوض بشأنها لضمان الأمن المشترك.

سيناريو الحرب إذا ليس مستبعدا في حال أدرجت مجموع تلك المعطيات الأميركية والفلسطينية والسورية والإيرانية في سياق عام يتوقع أن يشهد فيه «الشرق الأوسط الجديد» متغيرات في اللحظات الأخيرة وفي مرحلة الوقت الضائع التي أخذت تشارف على نهاياتها. فالسيناريو إسرائيليا ليس بحاجة إلى تحضير باعتبار أن تل أبيب ترى في لبنان دولة ممانعة تتحرك على مستويات مختلفة ولكنها تفتقد الآن إلى ذاك الغطاء الدولي والمظلة الإقليمية. فإيران غير جاهزة وهي خائفة ولا تستطيع المساعدة حتى لا تفرط بفرصة التفاهم مع الولايات المتحدة. وسورية في وضع لا يسمح لها بالتدخل وهي أساسا لم تتحرك حتى حين قامت «إسرائيل» بتوجيه تلك الضربة العسكرية لذاك المبنى الغريب في خدماته ووظائفه.

ساحة لبنان إذا مفتوحة ومكشوفة للانتقام والثأر واستكمال ما فات تل أبيب من تقويضه في عدوان 2006. وهذا الأمر ليس مستبعدا حتى في فترة فوضى تمر بها حكومة أولمرت. فالحكومة الإسرائيلية في العام 2008 مطمئّنة لعدم تحرك المحور السوري - الإيراني أكثر مما كان عليه وضعها خلال العام 2006. فالمحور منخرط الآن في مفاوضات لضمان الأمن واستبعاد الحرب من دون أن يشمل الأمر ساحة لبنان.

بسبب هذا الاحتمال الدولي الإقليمي يمكن فهم عودة المخاوف اللبنانية إلى الارتفاع وخصوصا أن الرئيس الإيراني وعد في تصريحه الأخير «الشعب اللبناني بتحقيق المزيد من الانتصارات العظيمة».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً