العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ

تركيا بين الإسلام والعلمانية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

زيارة جلالة الملك الى تركيا غدا ربما كانت ستتأجل لو ان المحكمة الدستوريةالتركية قد قررت حل حزب العدالة والتنمية الحاكم. ولكن قضاة المحكمة صوتوا بفارق ضئيل لصالح عدم حل الحزب الحاكم والاكتفاء بفرض غرامات مالية عليه وذلك بشأن القضية التي أثارها المدعي العام التركي في مارس/آذار الماضي عندما اتهم قادة العدالة والتنمية بأنهم اعتدوا على المبادئ العلمانية للجمهورية التركية وانهم يسعون الى «أسلمة البلاد»، ودعا إلى حظر الحزب ومنع العشرات من أعضائه من ممارسة العمل السياسي، بمن فيهم رئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

وقال رئيس المحكمة الدستورية هاشم كيليج: «آمل أن يُدرس هذا الحكم جيدا وأن تصل الرسالة المتوخاة إلى الحزب المعني بها»، فيما من جهته رحَّب أردوغان بالحكم قائلا إنه أنقذ الحزب والبلاد من «ظلم كبير» كان يتربص بهما.

مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، ألغى نظام الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية) العام 1924وألغى أيضا الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، وحوّل مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وألغى الأبجدية العربية من اللغة التركية واستبدلها باللاتينية، وأعلن ارتحال تركيا الى أوروبا في الملبس والمشرب والتوجه نحو العلمانية.

الا ان الاحزاب والمؤسسات العلمانية التركية فشلت في مهمتها الى اللحاق بأوروبا، ولم تستطيع الاقتراب من أوروبا الا بعد مجيء حزب العدالة والتنمية (ذي الجذور الاسلامية) الى الحكم في 2002، ومنذ ذلك الحين تحسنت الاوضاع الاقتصادية، واصبحت تركيا ذات نفوذ أوسع من ذي قبل على المستويين الأوروبي والاسلامي.

وكان الاتحاد الأوروبي قد سارع الى التحذير بان ازاحة حزب العدالة عبر قرار قضائي يخالف نهج الأنظمة الديمقراطية التي تعتمد على صناديق الاقتراع لتبديل الحكومات وليس عبر قرارات المحاكم. وبعد قرار المحكمة قال أردوغان إن حزبه سيسعى إلى «دفع تركيا قدما على طريق التحديث والرخاء»... و«إن هذه الطريق ستجلب لنا العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فلا عودة إلى الوراء في هذا المجال البتة».

وهذا يبين الواقع المتناقض في الحالة التركية. فالمحكمة الدستورية التي تحاول حماية العلمانية وربط الاتراك بأوروبا لاتحصل على تأييد اوروبي، والحزب المتهم بالتوجهات الاسلامية هو اكثر الأحزاب نجاحا في تقريب تركيا من اوروبا، الى الدرجة التي اعتبر فشل المحكمة في حل الحزب خطوة ايجابية نحو الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي.

وقائع ماحدث في المحكمة التركية وردود الأفعال المتتالية توضح بأن دعاة العلمانية يعيشون في واقع خيالي، إذ إن حتى اوروبا العلمانية لاترضى بما قاموا به ولاتعتبر ماتقوم به المؤسسة التركية يقربها نحو حلم مؤسسها بالدخول في اوروبا كعضو مساو للدول الأخرى. فالدول الاوروبية ذاتها تعترف بدور الدين حاليا، وعدد من تلك الدول بدأت تدمج جالياتها المسلمة في المؤسسات الرسمية وتفسح المجال لهم للمشاركة كمواطنين لهم حقوقهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية.

ربما ان علمانيي تركيا بحاجة الى دروس اوروبية حول حقوق الإنسان والديمقراطية، وهم أيضا بحاجة الى إلغاء فكرة استخدام القسر والقوة التي تجلب لهم النتائج المعاكسة.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً