وأخيرا... قرّر رئيس الوزراء الاسرائيلي أن يتنحّى... ليحفظ ماء وجهه، إن كان قد تبقّى من ماء وجهه شيء!
وإذا كنا في العالم العربي ننظر إليه باعتباره مجرم حرب، لما فعله في حرب تموز من تدمير استهدف تقويض البنية التحتية في لبنان، إلاّ أن الفرح الذي عمّ الأوساط الاسرائيلية نفسها بتنحيه يكشف إلى أي حدٍّ أصيب هذا الرجل بالهزال.
في أعقاب حرب تموز، ورغم ما فعله بلبنان، نزلت شعبيته إلى الحضيض، فلم ينجح إلاّ بتحقيق 2 في المئة من أصوات شعبه، وهي أدنى نسبة في تاريخ الكيان الصهيوني. وما كان ليبقى في منصبه لولا الإصرار الأميركي على بقائه... مكافأة له على دوره في غرفة ولادة «الشرق الأوسط الجديد»!
أولمرت أعلن انه سيستقيل فور اختيار حزبه (كاديما) زعيما جديدا، وهي حركةٌ استباقيةٌ للخروج من المسرح السياسي بدل أن يتعرّض للطرد، بسبب الملاحقات القانونية التي تحاصره بتهم الرشاوى والفساد. ومع إعلان تنحيه لم يحبس منافسوه فرحتهم، فأسرع بنيامين نتنياهو للدعوة لإجراء انتخابات عامة، لأمله بفوز حزبه (الليكود المعارض) في حال إجراء انتخابات مبكرة، وقال عن أولمرت وطاقمه: «كلهم شركاء في هذه الحكومة الفاشلة تماما»، في إشارةٍ إلى المرشّحين الأوفر حظا للحلول مكانه، وزيرة خارجيته (ليفني) ووزير النقل موفاز!
أولمرت (بطل حرب تموز) اختار الاعلان عن قراره بطريقة مؤثرة في خطاب تلفزيوني، وقال متمسكنا: «سأقبل النتائج بطيب خاطر»، وأضاف «لقد ارتكبت أخطاء وأشعر بالأسف لذلك». ووعد بترك منصبه «بصورة مشرفة وسليمة ومسؤولة، كما فعلت طيلة ولايتي»، وأطلق آخر سهم في جعبته الفارغة حين قال: «سأثبت بعد ذلك براءتي»!
أولمرت سيختفي حتما من الساحة قريبا، وقريبا جدا، ولكن ستظل في الذاكرة العربية صوره الكاريكاتيرية التي رسّختها قناة «المنار»، في أعقاب حرب تموز، سواء لقطته وهو يكاد يغمض عينيه ويغفو كمن مسّه طائفٌ من الجن، أو صورته وهو يتأرجّح في حديقةٍ خلفيةٍ مظلمةٍ. وهي اللقطة التي صفّق لمنتجها أحد المعلقين في القناة الاسرائيلية، لدلالتها الدقيقة على تأرجح حكومة أولمرت بعد تموز 2006!
منذ عامين، كلما شاهدت صورة أولمرت في الصحافة أو التلفزيون، كلما تذكّرت ما قاله السيدحسن نصر الله، في الأيام الأولى من الحرب: «أولمرت أفشل وأعجز وأحمق رئيس حكومة تولى المسئولية في كيان العدو»! وأعترف أني كنت متشكّكا في كلام السيد، خصوصا أن بيل كلينتون كان يهدّد به ياسر عرفات في آخر جولة من المفاوضات أواخر عهده التي كان يرعاها البيت الأبيض. ولكن... ما حدث أثبت صحة كلام السيد ودقة تحليله السياسي.
أولمرت سيرحل قريبا، وسيفرح لرحيله كثيرون... حتى من الاسرائيليين، الذين تيقنوا من أنهم لم يبتلوا طوال تاريخ دويلتهم برئيس حكومة «أفشل وأعجز وأحمق منه»! بالمقابل... سيحزن لرحيله آخرون، في مقدمتهم أقطاب السلطة الفلسطينية التي ما زالت تراهن على «سلام الخاسرين» و»المهزومين» و»الفاشلين». وربما أكثر المحزونين محمود عباس، الذي شبع قبلاتٍ وأحضانا من أولمرت الحبيب في الشهور الأخيرة! وهو ما دعاه إلى مراعاة نفسيته في هذا الظرف الحزين، إذ قال بأرقى لغة دبلوماسية مهذبة: «نحن لا نتدخل في الشئون الداخلية لإسرائيل»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2156 - الخميس 31 يوليو 2008م الموافق 27 رجب 1429هـ