بينما يحتدم التنافس على الرئاسة الأميركية، يتوقع أن يصبح تهديد التطرف الإسلامي قضية رئيسية في الحملة الانتخابية. والسبب في ذلك عائد إلى ارتباطه مع الحرب في العراق. وتُظهِر استطلاعات الرأي العام أن العراق هو قضية السياسة الخارجية الرئيسية بالنسبة لمعظم الأميركيين، حيث يرى الكثيرون منهم الحرب على أنها تزيد من مخاطر الإرهاب المستقبلي ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وقد سمى المرشح الجمهوري المفترض جون ماكين تهديد التطرف الإسلامي «التحدي الفائق لزمننا الراهن».
سوف يقرر الأسلوب الذي يرد فيه المرشحان وقاعدتاهما الانتخابيتين على هذا التحدي ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة الهرب من شرك كبش الفداء الذي وقعنا فيه، وما إذا كانت الحملة سوف توحد الأمة في قضية سياسة خارجية حيوية أو أن تستقطبها بشكل إضافي.
عملت خلال السنوات الثمانية عشرة الماضية مع مجموعة من القادة لتطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع التطرف الإسلامي والنظر في الأسباب الجوهرية للتوتر مع المسلمين في كافة أنحاء العالم، وإيجاد طرق لتحسين أمننا من خلال الحد من هذه التوترات.
لقد رأينا أن الاحتلال العسكري الأميركي للعراق وأفغانستان لعب لمصلحة المتطرفين المسلمين، الذين نجحوا في جعلنا أكباش فداء لفشل العديد من الشعوب المسلمة في بناء مجتمعات عادلة مزدهرة.
لا يشكل المتطرفون بحد ذاتهم، وفي غياب دعم أوسع، تهديدا مباشرا، حيث أنهم يمثلون أقلية بالغة الصغر بين مسلمي العالم البالغ عددهم 1،4 مليار مسلم. وتظهر بيانات الرأي العام في استطلاعات مؤسسة غالوب بوضوح أن الغالبية العظمى من المسلمين لا يوافقون على الهجمات على المدنيين وأنهم يبجّلون عقيدتهم الإبراهيمية كمرشد للاستقامة والأخلاقيات.
لا ينجح استخدامنا للقوة العسكرية في دولتين مسلمتين وتهديداتنا لدولة ثالثة (إيران) إلا في إعطاء مصداقية لادعاءات المتطرفين بأن الولايات المتحدة تخوض حربا ضد الإسلام ولا تحترم قيم المسلمين ومعتقداتهم وأنها تحاول فرض ثقافتنا الغريبة على العالم المسلم. تلهب هذه الادعاءات مشاعر الرأي العام المسلم وتفشل جهود رجال الدين والقادة السياسيين من التيار الرئيس في كبح جماح المتطرفين.
إذا استطعنا بطريقة ما تخليص أنفسنا من دور عسكري ناشط في العراق وبناء جسور التفاهم مع الزعماء المسالمين في العالم المسلم، مثل الزعماء الحاليين في تركيا، وتوفير المعونة للمجتمعات المسلمة، كما فعلنا وبنجاح وأثر كبيرين بعد موجة المد البحري التي دمرت مساحات كبيرة في إندونيسيا، سوف يجد المتشددون أنفسهم بعزلة متزايدة وسوف تربح قدرتنا على جمع المعلومات الإستخبارية وإفشال عملياتهم بشكل لا يمكن قياسه.
لا يمكن لسياسة ناجحة لعزل المتطرفين أن تعتمد بشكل رئيسي على القوة العسكرية. وتثبت دراسة أجرتها مؤخرا مؤسسة راند لصالح وزارة الدفاع هذه النقطة. «ستكون غلطة فادحة»، يكتب ديفيد كومبرت، المؤلف الرئيسي للدراسة «إذا استنتجنا... أن كل ما تحتاجه الولايات المتحدة هو المزيد من القوة العسكرية لدحر المتمردين الإسلاميين». عندما يقوم نفس الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان الذين يقومون بحفر آبار الماء وبناء المدارس، بقصف المتمردين وقتل المدنيين عن طريق الخطأ، فمن المؤكد أنه سيتم إساءة فهم غاياتنا. خلال السنوات القليلة الماضية أدرك المزيد من الأميركيين (65%) أننا أكدنا بشكل زائد على القوة العسكرية ولم نركز بما يكفي على المبادرات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
بالنسبة للأميركيين وشعوب العالم الأخرى التي تتوق إلى السلام والازدهار والعدالة، يعتبر التحدي الفائق الحقيقي لزماننا الحاضر التغلب على المخاوف وعدم الثقة التي تؤدي بالعديد من الناس، هنا وفي أماكن أخرى، إلى الافتراض بأننا نخوض حرب حضارات. يمكن لسياسة حزبيّة بناءة أن تعترف بأن التهديد الإسلامي المتطرف خطير وملحّ، ولكن الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية الصحيحة يمكنها أن تحارب هذا التطرف بشكل أكثر كفاءة من التورط العسكري في العراق.
لقد نجح الغرب بالفوز في الحرب الباردة من خلال ممارسة الاحتواء بصبر وأناة، ووضع مثالا لفوائد المجتمع الحر الذي تغلب في نهاية المطاف على التشدد الأيديولوجي. وهذا ما يتوجب علينا عمله الآن، بأساليب مختلفة، لدحر الإرهاب ومنع الدول التي يحكمها دكتاتوريون متزعزعون من الحصول على ونشر أساليب الدمار الشامل، وأن نعيد ترسيخ موقفنا كديمقراطية عالمية رائدة.
* رئيس «الأجندة العامة»، وهي منظمة غير ربحية، وعضو في المجموعة القيادية حول المشاركة الأميركية المسلمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2156 - الخميس 31 يوليو 2008م الموافق 27 رجب 1429هـ