اليوم هو الثالث من أيام حملة بشائر الخير التي أطلقتها القوات العراقية بإسناد من القوات الأميركية لاعتقال العناصر المسلحة من القاعدة والميليشيات في محافظة ديالى العراقية، وهي ليست المرة الأولى التي تشن فيها القوات العراقية والأميركية عمليات داخل هذه المحافظة فقد سبقتها عمليات عدة.
ديالى لا تحتاج إلى تحليل لمعرفة صعوبة السيطرة عليها عسكريا، ولعل الحديث عن طبيعة المجتمع فيها من الناحيتين العرقية والإثنية، بالإضافة إلى واقعها الجغرافي والبيئي كافية لمعرفة حجم المهمة.
ديالى محافظة صعبة، فهي تحادد إيران من خلال سلاسل من الجبال والتلال، وهي متنوعة الأعراق والمذاهب ففيها العرب من السنة والشيعة، وفيها الكرد من السنة والشيعة أيضا، وفيها كذلك التركمان من الطائفتين (السنية والشيعية)، تحدها من الجنوب العاصمة بغداد ومحافظة واسط (الشيعية)، ومن الشمال محافظة السليمانية الكردية، ومن شمال الغرب محافظة صلاح الدين العربية، وهي بذلك تمثل كيانا فريدا جدا في التنوع العرقي والمذهبي. ولكن مع ذلك فإن مشكلة المحافظة ليست عرقية أو طائفية بقدر ما هي سياسية، إذ إن أغلب سكان المحافظة عرب لكن الأكراد والتركمان لا تقل نسبتهم عن 35 في المئة، وأغلب سكانها سنة لكن الشيعة لا يقلون عن أربعين في المئة.
تنوع ديالى العرقي والمذهبي يجعلها مستعدة لأن تحتضن عناصر القاعدة بقدر استعدادها لاحتضان الميليشيات الشيعية، ويكفي أن نعرف أن زعيم القاعدة في العراق أبومصعب الزرقاوي جعل من المدينة منطلقا لعملياته قبل أن يقتل فيها، وان عددا غير قليل من قادة الميليشيا جعلوها محطة أساسية من خلالها يدخلون إلى بغداد وعبرها يهربون إلى إيران.
ولان ديالى مدينة تجري فيها السواقي والأنهار فهي كثيفة الأشجار، حيث أطلق عليها في الماضي مدينة البساتين فأرضها خصبة وفيها تنمو الأحراش في أي مكان لا تطله يد الإنسان، ومن الصعب على من لا يعرفها السيطرة على طرقها، يضاف إلى ذلك قربها من إيران بكل ما تمثله من طرق سالكة للتهريب وحقول ألغام ثرية بالمتفجرات من أيام حرب الخليج الأولى. وإذا جاز لنا أن نصفها في ظل الوجود الأميركي وبيئتها الزراعية فهي فيتنام العراق.
ديالى، إذاَ محافظة صعبة وهي جسر حيوي وارض ملائمة لكل من يسعى إلى رفع السلاح في العراق، لكن استتباب الأمن لا يمكن أن يبدأ بعمليات عسكرية بل حلول سياسية حقيقية في بغداد، عندها فقط سيبدأ الحل من داخل المحافظة، وهنا فقط يكمن الحل، أي التعايش بين أهل المحافظة لغلق الطرق على الذين يسعون إلى جعلها جسرا للعنف في العراق.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2155 - الأربعاء 30 يوليو 2008م الموافق 26 رجب 1429هـ