العدد 2155 - الأربعاء 30 يوليو 2008م الموافق 26 رجب 1429هـ

شِتَاءٌ حَار

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الشهر الثاني من العام الثامن من الألفية الثانية قام جيش الدفاع الصهيوني بعملية عسكرية ضد قطاع غزة أطلق عليها اسم «شتاء حار» ارتكب خلالها مجزرة مُروّعة في القطاع. طبعا ليس غريبا أن يسمع المواطن العربي هذه الأيام أن مجزرة قد ارتُكِبت بحق الفلسطينيين فيهزّ كتفه، لكن الغريب هو ألا يحمل في ثنايا ذاكرته ثأرا لها.

مشاهد البؤس الفلسطينية كثيرة بعدد أنفاس الخلائق منذ ستين عاما، لكنها (ورغم تراجيديتها) مشحونة بالتفرّد. فالمواطن الفلسطيني استطاع أن يُطبّق الحكمة الكولومبية القائلة إن «كل امرئ هو سيّد موته» بشكل لافت.

ففي عملية الشتاء الحار أضحت إحدى القيادات السياسية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في موضع التسيّد (ليس على موتها فقط) وإنما على موت أطفالها وإخوتها وبني عمومتها عبر الارتباط مع صدى هذه العملية الصهيونية الجبانة التي استمرت ستة أيام أُسرِفَ فيها الدم بشكل غير عادي.

خلال هذه العملية وتحديدا في الثامن والعشرين من فبراير/ شباط الماضي قَتَل جنود صهاينة مسئول الوحدة الصاروخية في القسام، حمزة الحيّة في حي الشجاعية وهو نجل خليل الحيّة؛ أحد القيادات الحمساوية وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني ومعه مئة وثلاثون فلسطينيا ربعهم أطفال، وإصابة نحو 350 بجروح في أقل من أسبوع.

وبعد نحو الثلاثة أشهر فقط قتل جنود الاحتلال سبعة من أفراد عائلة الحيّة في مجزرة رهيبة راح ضحيتها كل من نمر إسماعيل الحيّة (60 عاما) بكر الحيّة (26 عاما) جهاد عبدالحميد الحيّة (17 عاما) عبدالحميد الحيّة (35 عاما) علاء الحيّة (22 عاما) إبراهيم الحيّة (23 عاما)، محمد خالد الحيّة (16 عاما)!

وقبل خمسة أيام من الآن اغتالت القوات الصهيونية ابن شقيق الحيّة إياد الحية (ثلاثون عاما) وأصابت نجله أسامة بجروح خطيرة بالإضافة إلى ستة فلسطينيين بينهم طفلة وجرح عشرين آخرين!.

بالطبع فإن الثمن الذي دفعه هذا الرجل المكلوم ليس بالضرورة أن يُماثله نموذج آخر (رغم كثرتهم في عالمنا العربي وتاريخنا الإسلامي) لكن المهم في الموضوع هو إدراك أن قليلا من الناس مَنْ يقدر على دفع مثل هذه الأكلاف «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ» (البقرة: 216).

كان محمد حسنين هيكل يقول إنه «إذا ضاع الحافز الوطني فأي عسكري يعرف أن التضحية بالدم انتحار لا فائدة منه ثم إنه يسجل تاريخا لأن دافع المبدأ وداعي الوطنية وراءه ضائع». وإذا ما قُرّر بأن ما يجري في فلسطين بأنه كفاح وطني من أجل الأمّة لا يختلف عليه العقلاء فإن الحافز هناك يُصبح أنبل، والتضحية بالدم تكون أسمى من كل شيء.

ومن يطقطق بشفاهه راقصا على أشلاء هؤلاء الجثامين من عالمنا العربي والإسلامي بحجج واهية فعليه أن يتذكر أن العيش في نخاع البرجوازية وإهمال مصائب الغير لا يمنحه التفويض للنقد فضلا عن التجريح والدهس في البطون على رغم الظلامات التي لا تتطلب زيادة في التفسير.

لأن هؤلاء المصابين بربو الهزيمة لم يعد لهم سوى خيار التوسّل بما يخدم سكينتهم. بالتأكيد ليس هذا خطابا ستّينيا أو هوسا من قوس الحالمين بل هو استدعاء لمنطق الأشياء الذي أُرِيد له أن ينزوي إلى الظل لكنه استعاد عافيته بعد حرب تموز وصورايخ سديروت وعسقلان. ونقطة على السطر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2155 - الأربعاء 30 يوليو 2008م الموافق 26 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً