المبادرة التي أطلقها جلالة الملك بشأن الوحدة الوطنية، نجحت في جمع خمسين من رجالات الدين من الطائفتين تحت سقف واحد، وغاب عنها عددٌ آخر بسبب السفر للخارج في فترة الصيف.
الوحدة الوطنية هي مبتغى الجميع، واللقاء كان فرصة لطرح عدد من الأفكار المهمة. فالبحرين التي تفتخر بتجربة التعايش بين مختلف المذاهب والطوائف والأديان، إنما تعبّر عمّا تمليه عليها عوامل الجغرافيا والتاريخ والدين. القارئ لتاريخ البحرين في العقود السبعة أو الثمانية الأخيرة، سيصل إلى نتيجة مؤداها أن مشاكل الجزيرة ليس في وجود خلافات بين المذاهب، وإنّما حول أمور أخرى، ترتبط بمعائش الناس، حتى لو حاول البعض تحريف التحركات وطأفنة الأحداث. الخلافات والفروق بين المذاهب ليست وليدة الأمس، ولن يمكن حلها غدا، وليس بمقدور أحدٍ أن يجمع الناس على رأي واحد، وستبقى المذاهب إلى يوم القيامة، وواجبنا الحفاظ على روح التعايش والتسامح، واحترام المواطن الآخر كما نريده أن يحترمنا، وعدم تكفير بعضنا بعضا... ثم البحث عن حلول حقيقية للمشاكل التي تعكّر صفو حياتنا المشتركة.
وكيل وزارة العدل والشئون الإسلامية فريد المفتاح، أشار إلى التعايش السلمي الذي عُرفت به البحرين تاريخيا، وسياستها الرسمية في الاعتراف بالمذاهب الإسلامية الثمانية (المذاهب الأربعة والشيعي والزيدي والأباضي والظاهري)، التي أقرّها مؤتمر مكة. وأشار إلى أهمية الوسطية في الخطاب الديني، وتجنّب التفكير المتطرف ولغة التكفير والإقصاء بين أتباع المذاهب المختلفة.
سياسيا... كان اللقاء فرصة لإطلاق عددٍ من المواقف المهمة، مع إجماع مختلف الأطراف على أهمية الحوار كمدخل لحلحلة الكثير من المشاكل. الشيخ عادل المعاودة، وهو من أكبر رموز السلف بالبحرين، سلّم بقوله: «إننا قد نختلف...»، وأضاف: «لدينا مساحة من الديمقراطية موجودة، وهناك مساحة من الديمقراطية مطلوبة»... وأثنى على الشيخ عبداللطيف المحمود والشيخ علي سلمان.
المحمود من جانبه قال إن «العلماء عبّروا عن آرائهم بصراحة، ونقل الجميع آمال وتطلعات أفراد المجتمع بالعيش الكريم والمستقبل الآمن والتنمية المستدامة، التي وعد الملك بالمضي فيها على أتم وجه». وأشار إلى دور رجال الدين بقوله: «إن على من يرتقي المنبر أن يكون حريصا على الوحدة وأن يتمسّك بأدب الحوار».
أما علي سلمان، فقال: «إن اللقاء يطلق درجة إيجابية من التفاهم والاحترام بين المذاهب، قد تم التأكيد على الحرية في الممارسة العقائدية والمذهبية، إلا أنه يجب أن تترجم تلك الكلمات إلى دولة المواطنة، بحيث يكون الإنسان أمام القوانين والفرص والخدمات ليس كابن طائفة، وإنما كمواطن يتلقى حقوقه ويقوم بواجباته على أساس تكافؤ الفرص وسيادة القانون». حصيلة كلام الشيخين تصبّ في خانتين: جانب سياسي وآخر اقتصادي، وكلاهما يتعلقان بمعايش الناس، وبمستقبل هذا البلد، بعيدا عن التطييف. وليس لكلامهما أية صلة بالاختلافات المذهبية أو الخلافات العقائدية التي تخصّص في إثارتها بعض المتطرفين الذين يمتطون منبر الجمعة ويؤمون الناس في الصلاة، وهم عاجزون عن التحكم في فلتات لسانه.
هناك مشاكل اقتصادية وسياسية عميقة، حلّوها بالحكمة والحوار، فالحوار هو مطلب الشارع والجمعيات السياسية منذ أعوام... ولا ينبغي إقحام المذاهب والطوائف والشعائر الدينية في خلافاتنا السياسية.
وفّق الله الجميع نحو بناء مجتمعٍ آمنٍ مستقر، خالٍ من العصبية الجاهلية، والطائفية المريضة، ورواسب التمييز والإقصاء والاستئثار.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2155 - الأربعاء 30 يوليو 2008م الموافق 26 رجب 1429هـ