في الفترة ما بين 17 و21 من الشهر الجاري، استضافت جمهورية شمال قبرص التركية، وفدا إعلاميا من الصحافيين والمراسلين الأجانب. وهي عادة سنوية لتعريف الرأي العام بقضية جمهوريتهم التي تعاني من العزلة بقرار دولي.
الوفد ضمَّ 35 موفدا، وتركيبته تشير إلى طبيعة الاهتمام التركي، إذ ضم خمسة من العرب، والباقي من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، مثل روسيا وأذربيجان وقرغيزيا وكازخستان، أكثرهم يجيدون التركية بسبب الرابط القومي واللغة المشتركة. بالإضافة إلى دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وسلوفينيا وألبانيا ورومانيا وسلوفاكيا.
مثل هذا اللقاء على قصر مدته، كان فرصة ليتحدث كل شخص عن وطنه. فهناك صحافيةٌ رومانيةٌ في العقد الخامس، عاصرت العهد السابق، وتعيش التحولات الصعبة التي تمر بها بلادها بعد الانتقال إلى الرأسمالية، كانت تتحدث عما يعانيه مجتمعها من ضعف الضمانات الصحية وخدمات العلاج وارتفاع الأسعار.
صحافيٌ في الثلاثينيات من عمره، من سلوفينيا، تلك الجمهورية الصغيرة التي ولدت بعد تفكك الاتحاد اليوغوسلافي، وهو مهتمٌ بقضايا الشرق الأوسط، ويغطي منطقة تمتد من المغرب حتى تخوم باكستان... الرجل لا يعرف من العربية إلا كلمات معدودة، ولكنه كان حريصا على السؤال عن كل صغيرة وكبيرة عن بلداننا، فسأل زميلا لبنانيا عن المواقف الأخيرة لسعد الحريري ووليد جنبلاط. وروى عن مجيئه لإحدى دول المنطقة نهاية 2002، مع توقع شن الحرب على العراق، ولكنه بقي ثلاثة أسابيع ونفد زاده فعاد إلى بلاده، وفاتته تغطية وقائع الحرب بعد نشوبها في مارس/ آذار التالي، وهو أمرٌ أسف عليه كثيرا.
هذا الصحافي المغامر الجاد، تحدث عن سفره إلى لبنان بعد أسبوعٍٍ من بدء حرب يوليو/ تموز، وصدمه تعمد الاسرائيليين إشاعة الدمار والخراب على أوسع نطاق. كان يتحدث وأنا أفكر في طريقة تغطية المراسل الأجنبي للأحداث من الميدان، بينما يكتب كثير منا من داخل مكاتب مغلقة مكيفة الهواء.
صحافية إيطالية تعمل مراسلة في اسطنبول، وتعلمت اللغة التركية في مدينتها ميلانو، سألتُها من باب الإثارة: ألا يوجد لديكم في إيطاليا غير برلسكوني؟ فتنهدت ثم هزت رأسها وقالت: «للأسف.. لا يوجد لدينا خيار آخر»! ثم أخذت تتكلم بإسهاب عن سيطرة برلسكوني على وسائل الإعلام، وما تتيحه له أمواله من سطوة وتأثير على السياسة، على رغم معرفة الجميع بفساده وتلاعبه.
صحافيٌ ألبانيٌ كان قليل الكلام، كثير القراءة، وشديد الهدوء، كانت لي فرصة الحديث معه في اليوم الأخير، اكتشفت أن لديه إلماما جيدا بمنطقتنا. تحدث عن متابعته لكتابات روبرت فيسك في «الاندبندنت»، عن المنطقة وخصوصا لبنان. وحقَّ له أن يتحدث بإعجاب عن فيسك ويعتمده مصدرا، فهذا البريطاني الستيني يكتب من الميدان، ويرسل تقاريره الساخنة من تحت القصف في الحروب التي تحرق منطقتنا بسبب النفط.
بالنسبة إلى صحافي من جزيرةٍ صغيرة في وسط الخليج، بعضهم يسمع اسم بلدك لأول مرة، وبعضهم يعتقد بأننا ننام على أسرَّةٍ من النفط، فكنت أختصر عليهم الطريق بالقول: «أنا من البحرين، بلدي صغيرٌ جدا لا تزيد مساحته على 700 كيلومتر، ولا يزيد تعداده على نصف مليون، ومع الأجانب والوافدين بالكاد نصل المليون. زورونا لتروا بأنفسكم بلدنا»... فما أجمل أن تتحدث عن بلدك التي تعشقها وتحلم بها عروسا بين البلدان.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2154 - الثلثاء 29 يوليو 2008م الموافق 25 رجب 1429هـ