لقاء جلالة الملك بعدد من المعنيين بالشأن الديني في البلاد يوم أمس خطوة على الطريق الصحيح من أجل ترشيد الخطاب الديني - السياسي وخصوصا أن ساحتنا السياسية تسيطر عليها اتجاهات دينية تستخدم المنابر السياسية (البرلمان والصحافة وغيرها) كما تستخدم المنابر الدينية (المساجد والمآتم والجمعيات الإسلامية). وكثير من اللغط السياسي يتسبب به رجال دين يصرحون ويخطبون قبل أن يفكروا، حتى بلغت درجة الفلتان لدى البعض أن دعا لتسليم الجيش المهمات المدنية اليومية للحكومة... هكذا بكل بساطة.

المشهد السياسي البحريني متداخل بين أوجه عدة تشمل العادات والتقاليد والشعائر الدينية بالإضافة إلى وسائل الحداثة المختلفة، ولكن لأن هناك من يستفيد من التأجيجات الطائفية بهدف الاستئثار بالحظوة لدى مواقع النفوذ فإننا نرى الانقسام بين القديم والجديد، وبين الانتماء الوطني والانتماء الطائفي، ما يؤثر سلبا على مسيرتنا الوطنية.

إن مما لاشك فيه أن البحرين تتمتع بنطاق أوسع من الحريات من ذي قبل، ولكن هناك اختلاف حول مداها وقدرتها على الاستمرار في وجه التحديات التي تظهر بين الفينة والأخرى لأسباب عدة، بعضها طبيعي ومقدور عليه، وبعضها مختلق ومخطط له بهدف إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

لقد ظل البحرينيون محرومين من حرية التعبير لفترات طويلة، ولدينا حاليا فرصة لترشيد الخطابات بما يعزز ويوسع هامش الحرية الذي تحقق، وهذا يحتاج إلى مشاركة ومساندة المتصدرين للشأن الديني في إطار القواعد والمؤسسات القائمة. إن الخطاب السياسي لفئة من المجتمع يتمثل بالشعور بخيبة أمل في أمور عدة، بينما يتمثل بالهواجس بالنسبة لفئة أخرى.

لقد تطور الخطاب السياسي البحريني خلال التسعينيات من القرن الماضي، وتمكن حينها من جمع الإسلامي بالوطني، الشيعي بالسني، حول قواسم مشتركة، ونحن بحاجة إلى استعادة ذلك الخطاب الجامع في فترتنا الحالية. ولكي ننجح في مثل هذا الأمر فإن علينا أن ننظر إلى الأمر بواقعية أكثر وأن نؤسس لعدالة اجتماعية تحفظ لنا المكتسبات التنموية والديمقراطية. إننا يجب أن نثق بأنفسنا وقدراتنا الذاتية لريادة الساحة، ويعتبر لقاء جلالة الملك أمس بعدد من علماء الدين فرصة للدفع باتجاه ترشيد الخطاب.