يشتعل الصومال بينما ينظر العالم باتجاه آخر. لقد وصلت هذه الدولة إلى أعلى قائمة أسوأ الدول من حيث الاستقرار، التي تضعها مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy، وقد أعلنت الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني هناك «أسوأ منه في دارفور». سوف يصبح عدد الذين يحتاجون معونة غذائية فورية هناك 3.5 ملايين شخص، خلال الشهور الثلاثة المقبلة. لقد هرب أكثر من مليون لاجئ من مواطنهم، ونتيجة لتمرد عارم ضد الحكومة الانتقالية الحالية التي تتمتع بدعم الغرب وإثيوبيا، استحقت مقديشو، عاصمة الصومال، لقب «بغداد على البحر».
لا يوجد نجوم دبلوماسيون في الصومال، أمثال كوندوليزا رايس أو كوفي عنان، اللذين أسرعا بالذهاب إلى كينيا لحل أزمة الانتخابات هناك. كذلك لا توجد شخصيات فنية معروفة مثل ميا فارو وستيفن سبيلبرغ أو جيم كاري، تحثّ على العمل الدولي والوعي كما فعلوا في السودان وبورما.
بدلا من ذلك، استحوذ الصومال على تثاؤب جماعي من عدم الاكتراث. يكفي مجرد ذكر اسم الدولة ليرفع أكثر الدبلوماسيين أو العاملين في مجال المعونة يديه في الهواء يأسا.
ومن سخريات القدر أنه بعكس النزاعات في كينيا وبورما والسودان، تطورت أزمة الصومال جزئيا بسبب «حرب أميركا على الإرهاب» والفشل في فهم بعض النواحي الحساسة في الإسلام.
العالم الإسلامي ليس وحدة متكاملة، فهناك نضال مستمر بين المسلمين ممن لهم تفسيرات متباينة للدين. فالصومال دولة صوفية المذهب تقليديا، والصوفية شكل منفتح من مذاهب الإسلام يتميز عن التفسيرات الأكثر تحفظا مثل تلك التي نراها في المملكة العربية السعودية.
إلا أن حركة أكثر محافَظَة قد تطورت في الصومال تحت دكتاتورية محمد سياد بري العلمانية، أثناء الفوضى التي تبعت إسقاطه عام 1991. قام نظام اتحاد المحاكم الإسلامية الذي أفرزته تلك الأحداث بتطبيق الشريعة الإسلامية (بناء على المبادئ الإسلامية)، ورغم معارضة العديد من الصوماليين لقوانينها الأكثر صرامة، إلا أن الحركة اكتسبت قوة على مستوى الجذور لأن الشعب سعى للحصول على النظام والعدالة في دولة شوهها الجوع وعنف دعاة الحرب والنزاعات القبلية. ورغم الفروقات الداخلية في تفسير الإسلام، أنشأ اتحاد المحاكم الإسلامية دولة مستقرة نسبيا أدت إلى عودة الأعمال التجارية الصومالية، وقامت كذلك بتوحيد القبائل المتناحرة ووضعت حدا للقرصنة البحرية من شواطئ الصومال الخطرة.
إلا أن صعود اتحاد المحاكم الإسلامية إلى السلطة أثار قلق الولايات المتحدة، التي اعتقدت أن تلك المجموعة وفرت مأوى لأعضاء تنظيم القاعدة الذين يسعون للحصول على ملاذ آمن في الصومال. وقد تدخلت الولايات المتحدة من خلال دعم جنرالات الحرب العلمانيين، وبعضهم، بحسب التقارير، من الذين حاربتهم في فترة حادث سقوط طائرة الصقر الأسود الشهيرة عام 1993، ضد اتحاد المحاكم الإسلامية. كانت النتيجة تقوية التطرف في الصومال بدلا من عزله.
ورغم قوة نيران جنرالات الحرب العارمة، والذين تطلَق عليهم تسمية «التحالف من أجل إعادة إرساء قوات السلام ومواجهة الإرهاب» إلا أنهم هزموا على يد اتحاد المحاكم الإسلامية في منتصف عام 2006.
قامت الولايات المتحدة بدعم الغزو الإثيوبي والاحتلال الذي تبعه بالمعلومات الاستخبارية والغارات الجوية والقوات الخاصة وإرسال المتهمين بالإرهاب إلى معتقل خليج غوانتنامو.
بدأت عقب ذلك فورا عملية تمرد على نَسَق العراق داخل الصومال، من قبل عناصر اتحاد المحاكم الإسلامية بشكل رئيسي، وكذلك من قبل أعضاء من قبيلة هاوي، وهي قاعدة الاتحاد القبلية. ويؤمن رجال القبائل هؤلاء بأن الولايات المتحدة وإثيوبيا تهاجمانهم من خلال دعم الحكومة الصومالية الانتقالية التي يديرها أفراد من قبيلة الدارود المعادية. وهم يعتقدون، كونهم مسلمين، أن الإسلام يتعرض لهجمة ويتوجب عليهم حمايته.
يواجه الصومال تحديات عميقة عديدة، إلا أن وقفا لإطلاق النار جرى التوصل إليه مؤخرا، ينادي بإنهاء التمرد قبل انسحاب إثيوبي لا مناص منه لصالح قوات من الأمم المتحدة، أتى ببعض التفاؤل والأمل.
تعكس قوة الاندفاع الأخيرة في الصومال نحو انتقال باتجاه المحافظة الدينية، والتشدد الديني أحيانا، تحولا مماثلا في أنحاء العالم الإسلامي. إلا أن الولايات المتحدة ما زالت تستطيع المساعدة في عكس هذا الاتجاه من خلال عمل سريع ومسئول.
يتوجب على الولايات المتحدة أولا أن تضغط على إثيوبيا لتنسحب، وأن تأتي بكافة الفصائل الصومالية إلى طاولة المفاوضات.
وهي تستطيع كذلك أن تعمل ضمن الهياكل القبلية التقليدية لمد يدها إلى الشعب الصومالي وتحقيق تغيّر سياسي وتوزيع للمعونة. تستطيع الولايات المتحدة، من خلال التقرب من المعتدلين الصوماليين، الذين سيكونون على استعداد لتحدي المتطرفين بأنفسهم، ومن خلال تمويل البرامج التنموية التي تظهر الاحترام للعادات المحلية والدين، أن تساعد في تحويل البندول بعيدا عن المتطرفين الذين يعظون بأن الإسلام يتعرض لهجمة من قبل الغرب.
وحتى يتسنى لها ذلك يتوجب على الولايات المتحدة أن تغير فورا من سياستها الفاشلة. بدلا من محاربة هؤلاء الأفراد الذين يرغبون بإيذاء أميركا بأسلوب ذكي فاعل، قامت الولايات المتحدة بمجابهة الشعب الصومالي. يتوجب على الولايات المتحدة أن تتعلم من كوارثها في العراق وأفغانستان وباكستان، بأن استخدام القوة لتدمير «الإرهابيين» على حساب شعوب بأكملها لا يؤدي إلا إلى تقوية المتطرفين.
أي اهتمام يوجه إلى الصومال مشجع هذه الأيام. إلا أن إيجاد مجتمع مستقر يزيل من معاناة الشعب الصومالي ويخاطب اهتمامات الغرب الأمنية، يتطلب المزيد: تفهم حقيقي للخطأ الذي وقع والعزيمة على تحقيق تغيير إيجابي.
* زميل بحوث في موقع ابن خلدون في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة. وقد قام بنشاط وعمل ميداني بين الصوماليين في كينيا لكتاب «رحلة في الإسلام: أزمة العولمة» الذي ألفه أكبر أحمد (بروكنغز 2007)، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2154 - الثلثاء 29 يوليو 2008م الموافق 25 رجب 1429هـ