العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ

تحفة تاريخية من زمن الخلفاء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحيي جزءٌ من العالم الإسلامي كل عام، ذكرى استشهاد الإمام علي (ع)، في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، بينما ينتهز محبو الأدب ومتذوّقو البلاغة، هذه المناسبة السنوية، لإعادة قراءة ما تركه الرجل للأجيال من وثيقة تاريخية وأدبية رائعة. وهو الكتاب الذي يضمّ بين دفتيه مجموعة من خطب الإمام وأقواله وحكمه ومراسلاته مع الولاة وحكام الأقاليم.

الكتاب جمعه أحد أحفاده، وهو الشريف الرضي، معتمدا الذائقة الأدبية الرفيعة فقط، ولذلك أسماه «نهج البلاغة»، فاحتوى على «مختارات» و «مقتطفات»، وجاء من بعده مَن استدرك عليه بكتب أكبر حجما. وفي الحالتين، خلّف الرجل للأجيال ثروة أدبية وتاريخية قيمة، وخصوصا أنه كان موقع القرار، على رأس دولةٍ ناشئةٍ مترامية الأطراف، بعد أن أزاحت من طريقها أكبر دولتين عظميين آنذاك: الفرس والروم.

الكتاب شرحه أكثر من أربعين عالما من الفريقين، أشهرهم ابن ابي الحديد (أحد شيوخ المعتزلة)، والإمام (المصري) محمد عبده في فترة منفاه ببيروت، والشيخ (اللبناني) صبحي الصالح الذي تفنن في ترتيب فهارس تسهّل مطالعته.

في الكتاب رسائل كثيرة تبادلها مع ولاته ومعارضيه والمتمردين عليه، فضلاَ عن التعليقات المباشرة على كثير من الأحداث السياسية في تلك الفترة العاصفة من تاريخ الأمة الإسلامية. وهي تعليقاتٌ تعكس أجواء تلك المرحلة، مع ما عُرف عنه (ع) من حرص شديد على وحدة الأمة وسلامة الدين. وهي تخالف بعض التصوّرات التي نحملها لتلك الفترة من التاريخ برجالاتها الكبار وصراعاتها السياسية التي ألبستها الأجيال لباسا دينيا سميكا.

أحد مصادر أهمية الكتاب، أنه قدم شهادة على لسان أحد صنّاع الحدث، وبتعبير ذاك العصر: أهل الحل والعقد. ويدهشنا رباطة الجأش والسيطرة على الأعصاب والكلمات، في تلك الفترة العاصفة... فنادرا ما كان يرتفع التعليق عن نبرته الهادئة، كما حدث في خطبته الأشهر «الشقشقية».

في هذه الخطبة، تقييمٌ صريحٌ لفترة الخلافة الراشدة، التي وقف يشد أزر من سبقوه، ويدعمهم بالنصح ويخلص لهم المشورة في القرارات المصيرية الكبرى. ويجدر بالجيل الباحث عن الحقيقة أن يطلّع عليه لمعرفة طبيعة الخلافات السياسية التي نشبت آنذاك بين كبار رجالات الدولة الفتية، والتي مازالت تلقي بظلالها على واقعنا المعاصر في حملات التكفير والتكفير المضاد، وإخراج من ليس من مذهبنا من الدين واعتباره من المشركين والمبتدعين.

الخطبة تضمّنت نقدا صريحا للفترة التي سبقته، وما كان يعانيه شخصيا كشخص قيادي ومسئول، مع ملاحظاتٍ على السياسات التي يراها غير صحيحة، دون أن يكفّر أحدا أو يخرجه من الدين. فالخطبة أشبه بالبيان السياسي الشامل، كان يلقيه من على منبر الكوفة، حتى وقف أحد العراقيين ليناوله كتابا فيه مسائل يريد الإجابة عليها، فلما فرغ من قراءته، طلب منه عبدالله بن عباس (رض) أن يواصل خطبته من حيث انتهى، فأجابه: «هيهات يابن عباس، إنما هي شقشقة هدرت ثم قرت».

من كتب السيرة، نعلم أن عليا (ع) كان خطيبا مفوها يسحر الأسماع، فكان الناس من العرب والموالي (المسلمين الأعاجم) يلتفون حول منبره ويتلقفون كلماته حفظا في الصدور. ومع ذلك لا ندري كم كان سيبقى لنا من تراث عليٍّ لو لم يقيّض الله الشريف الرضي لجمعه وحفظه بين دفتين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً