توصل فريق بحث علمي مكون من كاتب هذا المقال وهو أستاذ مشارك في قسم علوم الحياة بجامعة البحرين، وأستاذ الفطريات بجامعة ولاية لويزيانا ميريدث بلاك ويل، إلى اكتشاف نوع نادر جدا من الكائنات الدقيقة في بعض البيئات الصحراوية في البحرين.
والكائن المكتشف يعرف باسم كوماتريكا ميربالس (Comatricha mirabilis) الذي يتبع مجموعة الأعفان الهلامية أو ما يعرف باسم الفطريات المخاطية أثناء دراسة دامت لأكثر من عامين قام بها الباحث الأول شملت جمع الجزء الخارجي (القلف) لأكثر من 100 عينة من الأشجار والشجيرات والنباتات العشبية الموجودة في البيئات الصحراوية في الجزء الأوسط والجنوب الغربي من البحرين.
و أثناء فحص ودراسة العينات النباتية اكتشف الكائن بصورة نادرة واستثنائية ما استدعى التأكد من ذلك بالاستعانة بأكثر من مختص وأيضا مقارنتها بالنماذج المحفوظة لعينات مشابهة في أماكن أخرى في العالم.
وهذه الكائنات عبارة عن مجموعة متباينة من الفطريات غير الحقيقية اللزجة لما لها من ملمس لزج تشبه الأميبا. وتتميز بعدم احتوائها على جدار خلوي فهي مجرد كتلة بروتوبلازمية عارية لا تكون مغزل فطري، خلاياها تكون جراثيم سابحة ذات سوطين. وهي بمثابة حلقة وصل بين مملكتي الفطريات والحيوان إذ توجد هذه النوعية بكثرة في الطبيعة ويتحكم في انتشارها عاملا الرطوبة والحرارة. كما تكثر في مواسم الأمطار وتعيش غالبا على أسطح النباتات. وهي فطريات قليلة الفائدة الاقتصادية غير ممرضة. وللدراسة عدة مخرجات مهمة يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
إن اكتشاف هذا النوع النادر من الكائنات على بعض الأشجار والنباتات التي تنمو في بيئة المناطق الصحراوية تمثل في حد ذاتها نظاما دقيقا للتعايش البيئي المتزن. فمن المعروف أن البيئة الصحراوية هي بيئة انتقائية متخصصة لأنواع محددة فقط يتم التأقلم فيها عبر الزمن. فوجودها هو دليل على تأقلمها وقدرتها على تحمل الظروف الصحراوية القاسية من ارتفاع في درجة الحرارة وقلة الرطوبة وأيضا قلة أو ندرة الموارد الغذائية المتوافرة. فمن خلال تحوصلها أثناء فترات الصيف يمكن أن تبقى في فترة كمون لأكثر من 20 عاما من دون أن تتأثر حيويتها.
إن الندرة في وجود الكائنات الحية لا تعني عدم الوجود مطلقا طالما بقي التوازن البيئي والنظام الايكولوجي بعيدا عن الأنشطة والتدخلات البشرية، حيث أدى التغيير في النظم البيئية في العديد من المناطق والدول سواء بفعل الأنشطة البشرية المباشرة أو غير المباشرة كتلوث الهواء والتراب مثلا إلى أثار مدمرة على الكائنات الحية الأمر الذي أدى انتقالها من سلم الندرة إلى تلك المهددة بالانقراض وأخيرا إلى الانقراض تماما.
وتشير مصادر برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى انقراض واحد من الكائنات الحية كل ساعة من الزمن. ويرجع السبب الرئيسي لانقراض هذه الكائنات إلى تدمير مواطنها، بسبب تدخل الإنسان في الطبيعة بشكل عشوائي.
إن التوسع العمراني والأنشطة العصرية تؤول إلى انهيار نظم حيوية بأكملها.
من ناحية أخرى لوحظ أن المناطق أو الجزر الواقعة تحت مناخ المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية تتميز بقلة التنوع البيولوجي، مقارنة بتلك التي في المناطق الاستوائية والمعتدلة، حيث استرعت هذه الملاحظة على اهتمام العديد من العلماء في دراسة تكوين وتركيب وفسلجة التأقلم الحيوي لمحاولة لفهم آلية البقاء والانتقاء تحت الظروف البيئية المجهدة. فقد ثبت أن تنوع الكائنات الحية له قيمة جوهرية للنظم الايكولوجية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية. ولذلك فإن صيانة التنوع البيولوجي يستلزم المحافظة على الأنواع القادرة على البقاء والعمل على تنشيطها داخل محيطها الطبيعي. كما أن البحوث العلمية مازالت مستمرة في عزل واستخلاص العديد من المركبات الكيميائية ذات الفوائد الطبية والغذائية وأيضا الصناعية. وحديثا في المجال الهندسي طور العلماء نوعا من أنواع الحاسبات تعرف بحاسبات الأعفان الهلامية تعتمد في فكرتها على كيفية انسياب الخلايا الهلامية للوصول للغذاء إذ استخدمت دلالاتها لإنتاج خوارزميات ذكاء صناعي ذو سرعة و كفاءة عالين.
وتخلص الدراسة إلى أهمية المحافظة على التنوع الحيوي في البحرين بصورة عامة وفي البيئات الصحراوية المجهدة بصورة خاصة من خلال عدم الإخلال بالتوازن البيئي والمحافظة على الموطن الأصلي للكائنات.
ومن جهة أخرى فإن الدراسة تدعو الباحثين لبذل المزيد من الجهد للتعرف على المكونات الحيوية في البحرين لما له من أهمية علمية وجغرافية في هذا الجزء من العالم، ولاسيما أن الدراسات والبحوث في هذا المجال مازالت في مراحلها الأولية
إقرأ أيضا لـ "قاهر منديل"العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ
طالبة علوم أحياء
والله من زمان ما سمعنا أخبارك دكتور...
الى الأمام دوم
الرد
احلى تنوع