تُعرّف أنشطة مجموعات الضغط على أنها كل محاولة تهدف إلى التأثير على صنع القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية، سواء تمت تلك المحاولات من قبل أفراد من داخل أي من السلطتين أو من قبل جهات خارجهما. وتقوم بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية بتنظيم عمل مجموعات الضغط في حين لا يتم ذلك في فرنسا.
وفي الولايات المتحدة الأميركية تعتبر اللجنة الإسرائيلية الأميركية للعلاقات العامة المعروفة اختصارا بـ «أيباك» (AIPAC) من أقوى مجموعات الضغط تأثيرا على الإدارة والكونغرس في كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. وقد تنبه الرئيس أيزنهاور لمخاطرها بعد تشكيلها العام 1953 تحت مسمى اللجنة الأميركية الصهيونية فتحولت إلى اسمها الحالي.
حددت «أيباك» أهدافها بربط السياسات الأميركية بالسياسات الإسرائيلية والتصدي لأعداء «إسرائيل». وتمكنت من تحقيق هذه الأهداف باختراق الكونغرس والإدارات الأميركية المتعاقبة باستخدام الوسائل الآتية:
المال والاعلام
تمتلك «أيباك» وسائل إعلاميه وبحثية ترصد من خلالها أنشطة ومواقف أعضاء الكونغرس والإدارة الأميركية. ونظرا إلى انتشارها الواسع وخصوصا في المؤسسات المالية والصناعية تحرص هذه المؤسسات على متابعة مطبوعات وبحوث «أيباك» باعتبارها مؤشرا لتوجيه الدعم المالي للمرشحين في حملاتهم الانتخابية. لهذه الأسباب يحرص المرشحون على تأكيد دعمهم لـ «إسرائيل» طمعا في هذا الدعم المالي والإعلامي المؤثر على أصوات الناخبين الذين يتم اختراقهم بسياسة الانتشار الواسع والمزدوج (Penetration) للمجتمع ومؤسساته. وساعدها في ذلك، بحسب المؤرخ الأميركي مايكل اروين، استغلالها للتوافق العقائدي مع المحافظين وخصوصا في الحزب الجمهوري ومع جماعات أخرى كالمسيحيين الموحدين التي تعتبر العالم الإسلامي عدوها الرئيسي. فتحديد العدو وتعريفه يعتبر أهم مبررات التحالف.
اختراق الإدارة والكونغرس
تمكنت «أيباك» بوسائلها المختلفة من إيصال حلفائها إلى مراكز حساسة في الإدارة الأميركية وخصوصا في مجال الأمن والدفاع والخارجية. وفاخر رئيسها ديفيد ستينر بقدرته على إقناع الرئيس كلنتون بتعيين حليف لـ «إسرائيل» في منصب وزير دولة للأمن القومي.
ويقول البرفسور ستيفن والت من جامعة هارفرد إن «أيباك» تمسك بيد خانقة على الكونغرس. كما يقول المؤلف جرانت سميث إن «أيباك» تحولت إلى تجمع سياسي مخابراتي سري تهيمن عليه «إسرائيل». وتفتخر «أيباك» بقدرتها على ربط المصالح الأميركية بالمصالح الإسرائيلية. ويقول هدرك سميث إنه أصبح من المتعذر الفصل بين السياستين الأميركية والإسرائيلية فقد تمكنت «أيباك» من مصادرة القرار السياسي للإدارات الأميركية المتعاقبة.
التحريض والشحن
هناك قناعة لدى كثير من المحللين والسياسيين ومن بينهم عضو الكونغرس جيم موران عن دور «إسرائيل» من خلال «أيباك» في دفع الرئيس بوش إلى غزو العراق عن طريق تزويده بمعلومات زائفة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. وبرعت «أيباك» في شن وإدارة حملات الشحن والتحريض ضد السياسيين الرافضين لسياساتها كما عبر عن ذلك كثير من أعضاء الكونغرس ومن بينهم بول فندلي في كتابه الشهير «من يجرأ على الكلام». ولا تتورع «أيباك» عن استخدام الكذب والتزوير والابتزاز للنيل من مناوئيها.
بعد هذا السرد لدور «أيباك»، كمنظمة ضغط، في توجيه السياسة الأميركية, من المفيد العودة إلى داخل الوطن للاستفادة من هذه التجارب. فبعد تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك بالتوافق مع شعبه ثم فتح ساحة العمل السياسي فبرزت إلى السطح تكتلات سياسية مختلفة تمكن بعضها من استغلال التباين في الرؤى حول مسيرة الإصلاح الذي وجده البعض متوافقا مع طموحاتهم في المساواة في حين لم يرى البعض الآخر مشروعية لهذه التوقعات. من هنا تشكلت تكتلات سياسية وفئوية ومصلحية لشد مشروع الإصلاح للوراء باستخدام كل ما تملكه من طاقات ونفوذ ووسائل لا تختلف في جوهرها عن تلك الأدوات التي تمت الإشارة إليها لاحقا.
فقد أطلق البعض على هذه القوى بالمتنفذين الذين تمكنوا من اختراق الجهاز التنفيذي فأخضعوا جزءا كبيرا من مؤسساته لخدمة مصالحهم الخاصة وأجنداتهم السياسية حتى أصبحوا جزءا منه يستمدون منه القوة لمصادرة كل شيء حتى السواحل والمقابر. وحيث إن قوى الضغط لا لون لها فقد ضمت مجموعات شتى كجمعيات التمذهب السياسي التي تكتلت في رؤاها بشأن استهداف فئة من المجتمع ومحاصرتها بغرض إقصائها من مختلف المواقع. ويمكن التدليل على تأثير قوى الضغط هذه على مجمل صياغة القرار في ما نلاحظ من إرباك في صنع القرار وفي ما نشهده من تجاذبات لشد مشروع الإصلاح إلى الوراء. ويمكن اعتبار الوقائع الآتية مثالا على الإرباك الناجم على تفاقم الاختراق:
استجدت على المستوى الإعلامي وسائل إعلامية ومؤسسات بحثية بعضها علني والآخر سري تم تسخيرها في حملة التحريض والشحن ضد الآخر. ففي الوقت الذي تؤكد القيادة السياسية أن البحرينيين لا يقبلون التبعية وأن الوطن لا يخدم بالتفريق بين أبنائه تخرج علينا هذه المؤسسات بتقارير تشكك في ولاء فئة معينه لوطنها وقيادتها السياسية على الرغم من الحقائق الدامغة التي تؤكد مواقفها المشرفة في مراحل وطنية حرجة. وهدف هذه المؤسسات هو تأزيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم للتفرد بالنفوذ والثروة وإقصاء الآخر بوضع مزيد من العراقيل التي تحول دون إشراكه في إدارة الدولة ومؤسساتها.
هذا إلى جانب عرقلة عمل السلطة التشريعية باستخدام عامل الأغلبية للحيلولة دون إصدار تشريعات وطنية تساعد على إعادة التوازن وتصحيح الخلل الناتج عن سياسة إقصاء الآخر، بالإضافة إلى الاختراق المنظم للسلطة التنفيذية من قبل جماعات الضغط التي أخذت تقابض على مواقفها بإيصال المنتسبين إليها إلى مناصب في الدولة وخصوصا في الأجهزة المركزية والأخرى ذات العلاقة المباشرة بمصالح المواطنين.
وانعكس هذا الاختراق في الإرباك الحاصل في مجمل عملية صنع القرار والذي نورد منه ما يلي على سبيل المثال:
- عرقلة مهمة توظيف الجامعيين على الرغم من التوجيهات الصادرة.
- صدور قرارات إدارية بمصادرة بعض المساجد، والاستيلاء على بعض المقابر وسحب صلاحية صيانة وإعمار الأملاك الوقفية والمساجد من الجهة المختصة على الرغم مما تتمتع به من استقلال إداري تاريخي كل ذلك بغرض الإثارة والتأزيم.
- الاستيلاء على السواحل ودفنها من قبل أفراد نافذين دون إشراك المجالس البلدية المختصة في مخالفة صريحة للدستور الذي نص على أن الثروات الطبيعية ومواردها كافة ملك للدولة.
- عرقلة توزيع المشروعات الإسكانية كمشروع إسكان قرية النويدرات بغرض إخضاع الخطط الإسكانية لحسابات سياسية تتعلق بالانتخابات وتوزيع الدوائر الانتخابية.
- غض الطرف عن خطاب الكراهية والشحن الطائفي من على منابر الخطابة وذلك خلافا لتوجيهات القيادة السياسية التي تؤكد وجوب الامتناع عن نشر ما يسيء إلى أطراف المعادلة الوطنية.
هذا فيما يتعلق بعرقلة عمل السلطة التشريعية، أما استمرار حملة الشحن والتحريض وبث المعلومات المزيفة والإشاعات من قبل مجموعات الضغط التي نورد منها ما يلي:
- اعتبار المآتم مراكز لتخزين الأسلحة.
- إلصاق تهمة التجسس بالموقوفين في المملكة العربية السعودية على الرغم من نفي ذلك من قبل المسئولين في البلدين. فالهدف هو إلصاق تهمة العمالة والولاء للخارج، وهي المعزوفة التي لم تتوقف قوى الضغط عن عزفها بغرض إلغاء الآخر كلية.
- إطلاق الإشاعات بشأن تمويل الزواج الجماعي واتهام القائمين عليه باستلام تكاليفه من دولة أخرى على الرغم من أن التمويل كان من قبل جلالة الملك.
هذه بعض من أمثلة على أنشطة وبرامج عمل مجموعات الضغط التي تمكنت من تعطيل عمل المؤسسة التشريعية واختراق الأجهزة التنفيذية، وتأزيم الوضع بين المواطن وحكومته، كل ذلك من أجل التفرد بالنفوذ والثروة حتى لو تم ذلك على حساب الوطن وأمنه واستقراره. وهذا النهج يتطابق مع نهج جماعات الضغط كمجموعة «أيباك» في الولايات المتحدة الأميركية والتي تمكنت من مصادرة القرار في الإدارات الأميركية المتعاقبة خدمة لمصالحها وأهدافها، فأفسدت علاقة أميركا حتى مع بعض من أصدقائها.
إن التطرف والتصلب سمة من سمات جماعات الضغط لكونها جماعات إقصائية لا تقبل بغير مصادرة القرار لصالحها باختراق مؤسسات الدولة لخدمة أهدافها. من هنا وجب التوقف وإعادة تقييم أوضاعنا الداخلية من منظار الربح والخسارة لمجمل العملية السياسية منذ انطلاقة مشروع الإصلاح في بلادنا. فمن دون التقييم والحساب تضيع البوصلة ويغرق الجميع في المجهول.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ