تعميم ديوان الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 2008 الصادر بتاريخ 20 يوليو/ تموز 2008 والقاضي باتخاذ إجراءات صارمة ضد الموظفين الحكوميين في حال مخالفتهم للوائح والقوانين أو صدور أحكام قضائية ضدهم تتعلق بمشاركتهم في اعتصامات أو اجتماعات غير مرخصة، يذكرنا بتلك القرارات التي عاشتها البحرين في زمن قانون أمن الدولة.
ديوان الخدمة المدنية الذي كان في التسعينيات سيفا على رقاب الموظفين فباشر بفصل الكثيرين بسبب نشاطهم السياسي من دون أي قرار قضائي وتجاوزا على لوائحه وقوانينه، يعيد الكرَّة نفسها بأسلوب مختلف وبالرائحة نفسها لذلك الزمن السيئ.
والتعميم الجديد يأتي بنَفس لا إصلاحي، مخالفة لكل التوجهات التي أطلقها جلالة الملك ومشروعه الإصلاحي الذي يقوم في الأساس على إطلاق الحريات العامة للمواطنين بعد تكبيلها سنوات طويلة عاشت على إثرها البحرين سنوات ظلام، لا يتذكرها ويحن لها سوى أولئك الذين يمكن أن نسميهم «خفافيش الظلام» الذين لا يمكنهم أن يعيشوا في النور، ولا أن يقبلوا بالصوت الآخر أو أن يتعايشوا معه.
ليس من حق ديوان الخدمة المدنية أو غيره من الجهات الرسمية محاسبة أي مواطن على عمل قام به إلا السلطة القضائية، وهو ما أسس له المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد. فسلطة ديوان الخدمة المدنية لا تتخطى أسوار أوقات العمل الرسمي، أما أفعال المواطنين وتوجهاتهم وانتماءاتهم فلا شأن له بها أبدا.
والأغرب من ذلك أن الحكومة لم تحرك ساكنا تجاه ما يقوم به ديوان الخدمة المدنية من تجاوزات علنية على الدستور والاتفاقيات الدولية وحتى على قانونه الذي يحظر «معاقبة الموظف قانونا إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي»، وبالتالي فإن الحكومة راضية بما يقوم به الديوان من تجاوزات من شأنها أن تضر بسمعتها ومكانتها عالميا.
ديوان الخدمة المدنية أسس لعرف التمييز بين الطبقة العاملة في البحرين من خلال حظر النقابات الحكومية، وعمل على ملاحقة النشطاء منهم وتشكيل لجان التحقيق الواحدة تلو الأخرى والتضييق على النقابيين، وخير دليل على ذلك ملاحقة جمال عتيق ونجية عبدالغفار.
ديوان الخدمة المدنية نصب نفسه حاكما عاما على الموظفين لا منظما لشئونهم. في وقت تسعى البحرين فيه إلى تحسين صورتها وسمعتها الدولية وبالخصوص سجلها الحقوقي، إلا أن تصرفات الديوان ستؤدي في نهاية المطاف إلى تأكيد كل ما يقال عن وجود تمييز حقيقي واضطهاد ومس بالحريات العامة للمواطنين، في ظل وجود تعميمات تجعل العاملين في القطاع العام فريسة التشكيك والخوف والقلق على مستقبلهم.
سياسة المقايضة التي يتبعها ديوان الخدمة المدنية غير منصفة وتقوم على أساس مقايضة حقوق المواطنة والحريات بلقمة العيش وقوت الإنسان وتهديده بها.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ